[سنن الوضوء]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمسنون: التسمية].
هنا مشى المؤلف على خلاف المذهب، قال الشيخ عبد الله البسام: المذهب أن التسمية واجبة، والمصنف ذكر أنها سنة اتباعاً لقوله في المذهب.
وما ذهب إليه المصنف هو قوله الجمهور والرواية الثانية عن الإمام أحمد، وأما في المذهب فالتسمية واجبة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، رواه أبو داود والترمذي، وهو حديث ضعيف، والإمام أحمد رحمه الله قال: ليس يثبت في هذا حديث، ولا أعلم فيه حديثاً له إسناد جيد، لكن مجموعها يشد بعضها بعضاً.
قال: [وغسل الكفين] المراد غسل الكفين ثلاثاً قبل الوضوء، وأما غسلهما مع اليدين فهذا واجب وليس مستحباً.
قال: [والمبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائماً].
المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة مستحبة، وأما إذا كان صائماً فلا ينبغي له أن يبالغ فيهما؛ لحديث لقيط بن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) وذلك خشية أن ينزل شيء من الماء إلى الحلق إذا كان صائماً.
قال: [وتخليل اللحية والأصابع].
تخليل اللحية مستحب إذا كانت كثيفة، وأما أن كانت صغيرة يرى من ورائها البشرة فيجب غسلها، وتخليل ما بين أصابع اليدين والرجلين مستحب.
قال: [ومسح الأذنين].
يعني: أن يمسح باطن الأذنين بالسبابتين وظاهرهما بالإبهامين.
قال الشيخ عبد الله البسام في تعليقه: المذهب أن الأذنين من الرأس فيكون مسحهما واجباً؛ وما رواه ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) هذا يؤيد الوجوب؛ لأن الأصل اتباعه عليه الصلاة والسلام، ولأن ظاهر الأدلة الوجوب؛ لأنهما من الرأس، فيمسحان معه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأذنان من الرأس)، رواه أبو داود، وروت الربيع: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة) رواه الترمذي.
وإذا كاناً من الرأس فالله تعال قال: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة:٦]، فيكون مسح الأذنين داخلاً في الوجوب، لكن بعض الشافعية رحمهم الله يرى أنه لو مسح ربع الرأس أو نصف الرأس أو ثلث الرأس كفاه، لكن ينبغي للإنسان ألا يخل في مسح الأذنين.
قال: [وغسل الميامن قبل المياسر، والغسل ثلاثاً ثلاثاً].
يستحب أن يبدأ باليد اليمنى قبل اليسرى، والرجل اليمنى قبل اليسرى، لكن ينبغي للإنسان ألا يخل بالتيامن.
فلو بدأ باليسرى صح الوضوء؛ لأن التيامن مستحب، لكن من قال بالوجوب فله وجه.
وغسل كل عضو ثلاثاً ثلاثاً، أو مرتين مرتين مستحب، والواجب مرة واحدة.
قال: [وتكره الزيادة عليها والإسراف في الماء].
الكراهة هنا كراهة شديدة، والقول بالتحريم له وجه؛ لما فيه من الإسراف، ولما فيه من مجاوزة فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من زاد فقد أساء وتعدى وظلم).
فظاهر الحديث الحرمة، لكن المعروف عند العلماء أنه للكراهة الشديدة، والمذهب الكراهة أيضاً.
قال: [ويسن السواك عند تغير الفم، والقيام من النوم، وعند الصلاة].
السواك مستحب وليس بواجب، وذلك عند تغير الفم في أي وقت، وعند القيام للصلاة، وعند الوضوء، وعند دخول البيت، فيستحب في هذه المواضع.
قال بعض العلماء: إن للسواك فوائد عظيمة أكثر من مائة فائدة، فمن فوائده: أنه يذكر بالشهادة عند الموت، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتسوك حتى في آخر حياته.
قال: [لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)].
وفي لفظ (عند كل وضوء)، وفي الحديث الآخر: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب).
قال: [ويستحب في سائر الأوقات إلا للصائم بعد الزوال].
يعني: يستحب السواك في جميع الأوقات إلا للصائم بعد الزوال، يعني: بعد الظهر، على خلاف بين العلماء في كون الزوال يعني بعد أذان الظهر أو بعد الصلاة، وعدم استحبابه بعد الزوال؛ لأنه يزيل رائحة الفم، ورائحة فم الصائم وإن كانت مكروهة في مشام الناس فهي محبوبة عند الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك).
والخلوف: هو الرائحة التي تنبعث من المعدة؛ لخلوها من الطعام والشراب، فهي مستكرهة في مشام الناس ومحبوبة عند الله؛ لأنها نشأت عن مرضاته وطاعته، والسواك يزيلها، فلذلك يكره السواك بعد الزوال هذا هو القول الأول وهو المذهب.
القول الثاني: أنه مستحب في جميع الأوقات ولا يكره، والسواك لا يزيل الخلوف؛ لأن الخلوف منبعث من خلو المعدة، وهذا هو الصواب، وأما المذهب فقد استدلوا بحديث: (إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي)، لكنه حديث ضعيف.
والصواب أن السواك يصلح في كل الأوقات، لحديث عامر بن فهيرة أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم)، وهذا هو الذي عليه المحققون وهو الصواب، لكن ينبغي للإنسان أن يتسوك بسواك لين وليس صلباً يجرح اللثة، ولا يتفتت فتنزل منه قطع إلى الحلق، فإذا كان بهذه المثابة فلا بأس به في أول الصيام وفي آخره بعد الزوال وقبله، هذا هو الصواب.
فإذا كان يصلي فإنه لا يتسوك، وكذلك أثناء الخطبة؛ لأنه مأمور بالإنصات.