للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصوّر الباطل في صورة الحق، ويفهمك الحاجة من غير إعادة ولا استعانة.

قيل له: وما الاستعانة؟ قال: يقول عند مقاطع كلامه يا هناة، واسمع، وفهمت! وما أشبه ذلك. وهذا من أمارات العجز، ودلائل الحصر! وإنما ينقطع عليه كلامه فيحاول وصله بهذا، فيكون أشدّ لانقطاعه.

وكان أبو داود يقول: رأس الخطابة الطّبع، وعمودها الدّربة، وجناحاها رواية الكلام، وحليها الإعراب، وبهاؤها تخيّر اللفظ؛ والمحبة مقرونة بقلة الاستكراه.

وقال أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ: قال بعض جهابذة الألفاظ، ونقّاد المعانى: المعانى القائمة في صدور الناس، المختلجة في نفوسهم، والمتصوّرة في أذهانهم المتصلة بخواطرهم، والحادثة عن فكرهم، مستورة خفيّة، وبعيدة وحشية، ومحجوبة مكنونة، وموجودة في معنى معدومة، لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه، ولا حاجة أخيه وخليطه، ولا معنى شريكه والمعاون له على أمره، وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلّا بغيره، وإنما يحيى تلك المعانى ذكرهم لها، وإخبارهم عنها، واستعمالهم إياها.

وهذه الخصال هي التي تقرّبها من الفهم، وتجلّيها للعقل، وتجعل الخفىّ منها ظاهرا، والغائب شاهدا، والبعيد قريبا. وهي التي تلخّص الملتبس، وتحل المنعقد، وتجعل المهمل مقيّدا، والمقيد مطلقا، والمجهول معروفا، والوحشىّ مألوفا، [والغفل موسوما «١» ، والموسوم معلوما] ؛ وعلى قدر وضوح الدلالة، وصواب

<<  <  ج: ص:  >  >>