للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإشارة، وحسن الاختصار، ودقة المدخل، يكون ظهور المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح، وكانت الإشارة أبين وأنور، كانت أنفع وأنجع في البيان.

والدلالة الظاهرة على المعنى الخفى هو البيان الذى سمعت الله يمدحه، ويدعو إليه، ويحثّ عليه؛ بذلك نطق القرآن، وبذلك تفاخرت العرب، وتفاضلت أصناف العجم.

والبيان: اسم لكل شىء كشف لك عن قناع المعنى، وهتك لك الحجب دون الضمير، حتى يفضى السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله، كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أى جنس كان ذلك الدليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية التى إليها يجرى القائل والسامع إنما هو الفهم والإفهام؛ فبأىّ شىء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع.

ثم اعلم- حفظك الله! - أنّ حكم المعانى خلاف حكم الألفاظ؛ لأنّ المعانى مبسوطة إلى غير غاية، وأسماء المعانى محصورة معدودة، ومحصّلة محدودة.

وجميع أصناف الدلالات على المعانى من لفظ أو غيره خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أولها اللّفظ، ثم الإشارة، ثم العقد، ثم الخطّ، ثم الحال التي تسمى نصبة. والنّصبة هي الحال الدالة التي تقوم مقام تلك الأصناف، ولا تقصر عن تلك الدلالات.

ولكل واحدة من هذه الدلائل الخمسة صورة بائنة «١» من صورة صاحبتها، وحلية مخالفة لحلية أختها؛ وهي التي تكشف لك عن أعيان المعانى في الجملة، وعن حقائقها في التفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصها وعامّها، وعن طبقاتها في السارّ والضار، وعما يكون منها لغوا بهرجا «٢» ، وساقطا مطّرحا.

<<  <  ج: ص:  >  >>