للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال سعيد بن مسلم للمأمون: لو لم أشكر الله تعالى إلّا على حسن ما أبلانى من أمير المؤمنين من قصده إلىّ بحديثه، وإشارته إلىّ بطرفه؛ لقد كان فى ذلك أعظم الرّفعة، وأرفع ما توجبه الحرمة. فقال: يفعل أمير المؤمنين ذلك؛ لأن أمير المؤمنين يجد عندك من حسن الإفهام إذا حدّثت وحسن الفهم إذا حدّثت ما لا يجده عند أحد ممن مضى، ولا يظنّ أنه يجده عند أحد ممن بقى، فإنك لتستقصى حديثى، وتقف عند مقاطع كلامى، وتخبر بما كنت أغفلته منه.

وقال المتوكل لأبى العيناء: ما تحسن؟ قال: أفهم وأفهم.

وقال بعض الحكماء لتلميده، وقد ضرب الموسيقى: أفهمت؟ قال: نعم، قال: بل لم تفهم؛ لأنى لا أرى عليك سرور الفهم! وقد قيل: من نظر إلى الربيع وأنواره، والروض وأصباغه، ولم يبتهج كان عديم حسّ، أوسقيم نفس.

ومر أبو تمام بايرشهر من أرض فارس، فسمع جارية تغنّى بالفارسية، فشاقه شجىّ الصوت، فقال:

ومسمعة تروق السمع حسنا ... ولم تصممه، لا يصمم صداها!

لوت أوتارها فشجت وشاقت ... فلو يسطيع حاسدها فداها

ولم أفهم معانيها، ولكن ... ورت كبدى فلم أجهل شداها

فكنت كأننى أعمى معنّى ... يحبّ الغانيات ولا يراها

قال أبو الفضل أحمد بن أبى طاهر: قلت لأبى تمام: أخذت هذا المعنى من أحد؟ قال: نعم، أخذته من قول بشار بن برد:

يا قوم أذنى لبعض الحىّ عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا

قالوا: بمن لا ترى تهذى؟ فقلت لهم: ... الأذن كالعين توفى القلب ما كانا

وقال بشار أيضا في هذا المعنى:

قالت عقيل بن كعب إذ تعلّقها ... قلبى فأضحى به من حبّها أثر:

<<  <  ج: ص:  >  >>