والمنتصر يقول عن تجربة؛ لأنه قتل أباه المتوكل، والأمر في ذلك أشهر من أن يذكر، ولكنى ألمع منه باليسير:
كان المتوكّل قد عقد لولده المنتصر والمعتزّ والمؤيّد ولاية العهد، ثم تغيّر على المنتصر دون أخويه، وكان يسميّه المنتظر، ويقول له: أنت تتمنّى موتى، وتنتظر وقتى! ويأمر الندماء أن يعبثوا به، إلى أن أوغر صدره، وأقلّ صبره؛ فلما كانت ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وأربعين ومائتين كان المتوكّل يشرب مع الفتح في قصره المعروف بالجعفرى، ومعه جماعة من الندماء والمغنّين، وكان المنتصر معهم، فلما انصرمت ثلاث ساعات من الليل قال لزرافة التركى: ألا تسعنى ساعة حتى أشكو إليك ما يمرّ بى؟ قال: بلى، وجعل يماطله ويطاوله، وغلّق بغا الشرابىّ الأبواب كلها إلا باب الماء، ومنه دخل الذين قتلوه، فأوّل من ضربه باغر التركى ضربة قطع بها حبل عاتقه، وتلقّاه الفتح بنفسه فأكبّ عليه، فقتلا جميعا، وبويع المنتصر من ساعته، وكانت مدّة المنتصر في الخلافة مدة شيرويه ابن كسرى- حين قتل أباه- ستة أشهر.
وقال إبراهيم بن أحمد الأسدى يرثى المتوكّل:
هكذا فلتكن منايا الكرام ... بين ناى ومزهر ومدام
بين كأسين أروتاه جميعا ... كأس لذّاته وكأس الحمام
يقظ في السرور حتى أتاه ... - قدّر الله- حتفه في المنام
والمنايا مراتب يتفاضلن ... وبالمرهفات موت الكرام
لم يرر نفسه رسول المنايا ... بصنوف الأوجاع والأسقام
هابه معلنا فدبّ إليه ... فى ستور الدّجى بحدّ الحسام
أخذ هذا المعنى عبد الكريم بن إبراهيم التيمى، فقال يرثى عيسى بن خلف صاحب خراج المغرب، وكان قد تناول دواء فمات بسببه:
منايا سددت الطّرق عنها ولم تدع ... لها من ثنايا شاهق متطلّعا