اصبحت بين ضراعة وتجمّل ... والمرء بينهما يموت هزيلا
فامدد إلى يدا تعوّد بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا
وقال يمدح عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وزاد في هذا المعنى تشبيها ظريفا:
مقبّل ظهر الكفّ وهّاب بطنها ... لها راحة فيها الحطيم وزمزم
فظاهرها للناس ركن مقبّل ... وباطنها عين من العرف عيلم»
وكان ذو الرياستين يقبل صواب القائلين بما في قوّته من صفاء الغريزة، وجودة النّحيزة «٢» فهو كما قال أبو الطيب:
ملك منشد القريض نديه ... يضع الثّوب في يدى بزّاز
وكانت مخايل فضله، ودلائل عقله، ظهرت ليحيى بن خالد وهو على دين المجوسية، فقال له: أسلم أجد السبيل إلى اصطناعك، قال: فأسلم على يد المأمون، ولم يزل في جنبته «٣» ، إلى أن رقى إلى رتبته.
وذكره يحيى عند الرشيد فأجمل الثناء، فأمر بإحضاره، فلما رآه أفحم؛ فنظر الرشيد إلى يحيى كالمستفهم؛ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ من أدلّ دليل على فراهة المملوك أن تملك هيبة مولاه لسانه وقلبه، فقال الرشيد: لئن كنت سكتّ لكى تقول هذا فقد أحسنت، ولئن كان هذا شيئا اعتراك عند الحصر لقد أجدت؛ وزاد في إكرامه وتقريبه، وجعل لا يسأله بعد ذلك عن شىء إلا أجابه بأفصح لسان، وأجود بيان.