قال سهل بن هارون: ومما حفظ من كلام ذى الرياستين مما رأينا تخليده فى الكتب؛ ليؤتمّ به، وينتفع بمقول حكمته، قوله: من ترك حقّا فقد غبن حظّا: ومن قضى حقّا فقد أحرز غنما، ومن أتى فضلا فقد أوجب شكرا، ومن أحسن توكّلا لم يعدم من الله صنعا، ومن ترك لله شيئا لم يجد لما ترك فقدا، ومن التمس بمعصية الله حمدا عاد ذلك على ملتمسه ذمّا، ومن طلب بخلاف الحقّ له دركا عاد ما أدرك من ذلك له موبقا «١» ؛ وذلك أوجب الفلاح- للمحسنين، وجعل سوء العاقبة للمسيئين المقصّرين.
ووقّع في رقعة ساع: نحن نرى قبول السعاية شرّا منها؛ لأنّ السّعاية دلالة، والقبول إجازة، وليس من دلّ على شىء وأخبر به كمن قبله وأجازه؛ فاتّقوا السّاعى؛ فإنّه لو كان في سعايته صادقا لكان في صدقه آثما؛ إذ لم يحفظ الحرمة، ولم يستر العورة.
والشىء يقرن مع جنسه: كتب محمد بن على إلى محمد بن يحيى بن خالد، وكان واليا على أرمبنية للرشيد: إنّ قوما صاروا إلى سبيل النّصح فذكروا ضياعا بأرمينية قد عفت ودرست «٢» ، يرجع منها إلى السلطان مال عظيم، وإنى وقفت عن المطالبة حتى أعرف رأيك.
فكتب إليه: قرأت هذه الرقعة المذمومة، وفهمتها، وسوق السعاية بحمد الله في أيامنا كاسدة، وألسنة السّعاة في أيامنا كليلة خاسئة؛ فإذا قرأت كتابى هذا فاحمل الناس على قانونك، وخذهم بما في ديوانك؛ فإنّا لم نولّك الناحية، لتتّبع الرسوم العافية، ولا لإحياء الأعلام الداثرة، وجنبنى وتجنّب بيت جرير يخاطب الفرزدق: