للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقّع- وقد قرأ كتابا فاستحسن خطّه-: الخطّ خيط الحكمة، ينظم فيه منثورها، ويفصّل فيه شذورها.

واختصم رجلان بحضرته، فقال لأحدهما: أنت خلىّ، وهذا شجىّ؛ فكلامك يجرى على برد العافية، وجوابه يجرى على حرّ المصيبة.

ودخل مروان بن أبى حفصة على جعفر بن يحيى فأنشده:

أبرّ فما ترجو الجياد لحاقه ... أبو الفضل سبّاق الأضاميم جعفر

وزير إذا ناب الخلافة حادث ... أشار بما عنه الخلافة تصدر

فقال جعفر: أنشدنى مرثيتك في معن بن زائدة، فأنشده:

أقمنا باليمامة أو نسينا ... مقاما ما نريد به زوالا

وقلنا: أين نذهب بعد معن ... وقد ذهب النّوال فلا نوالا؟

وكان الناس كلّهم لمعن ... إلى أن زار حفرته- عيالا

حتى فرغ من القصيدة، وجعفر يرسل دموعه على خدّيه، فقال: هل أثابك على هذه المرثية أحد من أهل بيته وولده؟ قال: لا، قال: فلو كان معن حيّا، ثم سمعها منك، كم كان يثيبك عليها؟ قال: أربعمائة دينار، قال: فإنّا كنّا نظنّ أنه لا يرضى لك بذلك، وقد أمرنا لك عن معن- رحمه الله- بالضّعف مما ظننته، وزدناك مثل ذلك؛ فاقبض من الخازن ألفا وستمائة دينار قبل أن تخزح، فقال مروان- يذكر جعفرا وما سمح به عن معن-:

نفحت مكافئا عن جود معن ... لنا فيما تجود به سجالا

فعجّلت العطية يابن يحيى ... لناد به ولم ترد المطالا

فكافأ عن صدى معن جواد ... بأجود راحة بذلت نوالا

بنى لك خالد وأبوك يحيى ... بناء في المكارم لن ينالا

كأنّ البرمكىّ لكلّ مال ... تجود به يداه يفيد مالا «١»

<<  <  ج: ص:  >  >>