أخذ هذا من قول زهير:
تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنّك تعطيه الّذى أنت سائله
وهذا البيت لزهير من قصيدة يقول فيها:
وذى نعمة تمّمتها وشكرتها ... وخصم يكاد يغلب الحقّ باطله
دفعت بمعروف من الحقّ صائب ... إذا ما أضسلّ القائلين مفاصله
وذى خطل في القول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله
عبأت له حلما، وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
وأبيض فيّاض يداه غمامة ... على معتفيه ما تغبّ نوافله «١»
غدوت عليه غدوة فرأيته ... قعودا لديه بالصّريم عواذله
يفدّينه طورا، وطورا يلمنه ... وأعيا فما يدرين أين مخاتله
فأعرضن عنه عن كريم مرزّا ... جموح على الأمر الذى هو فاعله
أخى ثقة لا يذهب الخمر ماله ... ولكنّه قد يذهب المال نائه
قال أبو الفرج قدامة بن جعفر، فى معنى أبيات زهير الأولى: لما كانت فضائل الناس من حيث هم ناس، لا من طريق ما هم مشتركون فيه مع سائر الحيوان، على ما عليه أهل الألباب من الاتّفاق في ذلك، إنما هي العقل والعفة والعدل والشجاعة، كان القاصد للمدح بهذه الأربعة مصيبا، وبما سواها مخطئا؛ وقد قال زهير:
أخى ثقة لا يتلف الخمر ماله ... ولكنه قد يهلك المال نائله
فوصفه بالعفّة لقلة إمعانه في اللذات، وأنه لا ينفد فيها ماله، وبالسّخاء لإهلاك ماله في النوال، وانحرافه إلى ذلك عن اللذات، وذلك هو العدل، ثم قال:
تراه إذا ما جئته متهلّلا ... كأنّك تعطيه الذى أنت سائله