فزاد في وصف السخاء بأنه يهشّ ولا يلحقه مضض ولا تكرّه لفعله ثم قال:
فمن مثل حصن في الحروب ومثله ... لإنكار ضيم أو لأمر يحاوله
فأتى في هذا البيت بالوصف من جهة الشجاعة والعقل؛ فاستوفى ضروب المدح الأربعة، التى هي فضائل الإنسان على الحقيقة، وزاد الوفاء، وإن كان داخلا في الأربعة؛ فكثير من الناس لا يعلم وجه دخوله فيها حيث قال «أخى ثقة» فوصفه بالوفاء؛ والوفاء داخل في هذه الفضائل التي قدّ مناها.
وقد يتفنّن الشعراء فيعدّون أنواع الفضائل الأربع وأقسامها، وكلّ ذلك داخل في جملتها؛ مثل أن يذكروا ثقابة المعرفة، والحياء، والبيان، والسياسة، والصّدع بالحجّة، والعلم، والحلم عن سفاهة الجهلة؛ وغير ذلك مما يجرى هذا المجرى، وهو من أقسام العقل. وكذكرهم القناعة، وقلّة الشّره، وطهارة الإزار؛ وغير ذلك أيضا من أقسام العفّة. وكذكرهم الحماية، والأخذ بالثّار، والدفاع، والنّكاية، والمهابة، وقتل الأقران، والسير في المهامه والقفار؛ وما يشاكل ذلك، وهو من أقسام الشجاعة؛ وكذكرهم السماحة، والتغابن، والانظلام، والتبرّع بالنائل، وإجابة السائل، وقرى الأضياف؛ وما جانس هذه الأشياء، وهو من أقسام العدل.
فأمّا تركيب بعضها على بعض فتحدث منها ستة أقسام: يحدث من تركيب العقل مع الشجاعة: الصبر على الملمات، ونوازل الخطوب، والوفاء بالوعود. وعن تركيب العقل مع السخاء: إنجاز الوعد، وما أشبه ذلك. وعن تركيب العقل مع العفة: التنزه والرغبة عن المسألة، والاقتصار على أدنى معيشة، وما أشبه ذلك. وعن تركيب الشجاعة مع السخاء: الإخلاف، والإتلاف، وما أشبه ذلك. وعن تركيب الشجاعة مع العفّة: إنكار الفواحش، والغيرة على الحرم. ومن السخاء مع العفة: