للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غيره، وأومأ إلى جاره، فقلت: وهذا الفكر أيضا من التطيّر، فأمسك، وعجب من جودة الشعر ومعناه، وحسن مأتاه، فقلت له: ليتنا كتبناه؟ قال: اكتبه فقد حفظته، وأملاه علىّ.

ومن شدة حذره، وعظيم تطيّره، قوله لأبى العباس بن ثوابة، وقد ندبه إلى الخروج إليه وركوب دجلة:

حضضت على حطبى لنارى فلا تدع ... لك الخير، تحذيرى شرور المحاطب

ومن يلق مالا قيت في كلّ مجتنى ... من الشّوك يزهد في الثمار الأطايب

أذا قتنى الأسفار ما كرّه الغنى ... إلىّ، وأغرانى برفض المطالب

ومن نكبة لا قيتها بعد نكبة ... رهبت اعتساف الأرض ذات المناكب

فصبرى على الإقتار أيسر مطلبا ... على من التّغرير بعد التّجارب

لقيت من البرّ التّباريح بعد ما ... لقيت من البحر ابيضاض الذّوائب

سقيت على رىّ به ألف مطرة ... شغفت لبغضيها بحبّ المجادب

ولم أبغها، بل ساقها لمكيدتى ... تلاعب دهر جدّ بى كالملاعب

أبى أن يغيث الأرض حتى إذا رمت ... برحلى أتاها بالغيوث السّواكب

سقى الأرض من أجلى فأضحت مزلّة ... تمايل صاحيها تمايل شارب

فملت إلى خان مرثّ بناؤه ... مميل غريق الثّوب لهفان لاغب

فما زلت في جوع وخوف ووحشة ... وفي سهر يستغرق الليل واصب

يؤرقنى سقف كأنى تحته ... من الوكف تحت المدجنات الهواضب

يظلّ اذا ما الطّين أثقل متنه ... تصرّ نواحيه صرير الجنادب

وكم خان سفر خان فانقضّ فوقهم ... كما انقضّ صقر الدّجن فوق الأرانب

وما زال ضاحى البرّ يضرب أهله ... بسوطى عذاب جامد بعد ذائب

فإن فاته قطر وثلج فإنّه ... رهين بساف تارة وبحاصب

<<  <  ج: ص:  >  >>