للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرت المرأة أنّ الباب عليها مقفل من ثلاث بسبب طيرة ابن الرومى، وذلك أنه يلبس ثيابه كلّ يوم، ويتعوّذ ثم يصير إلى الباب، والمفتاح معه، فيضع عينه على ثقب في خشب الباب، فتقع عينه على جار له كان نازلا بإزائه، وكان أحدب يقعد كل يوم على بابه، فإذا نظر إليه رجع وخلع ثيابه، وقال:

لا يفتح أحد الباب.

فعجبت لحديثها، وبعثت بخادم كان يعرفه، فأمرته بأن يجلس بإزائه- وكانت العين تميل إليه- وتقدّمت إلى بعض أعوانى أن يدعو الجار الأحدب؛ فلما حضر عندى أرسلت وراء غلامى؛ لينهض إلى ابن الرومى، ويستدعيه الحضور؛ فإنى لجالس ومعى الأحدب إذ وافى أبو حذيفة الطّر سوسىّ ومعه برذعة الموسوس صاحب المعتضد، ودخل ابن الرومى، فلما تخطّى عتبة باب الصّحن عثر فانقطع شسع نعله، فدخل مذعورا؛ وكان إذا فاجأه الناظر رأى منه منظرا يدلّ على تغير حال؛ فدخل وهو لا يرى جاره المتطيّر منه، فقلت له: يا أبا الحسن، أيكون شىء في خروجك أحسن من مخاطبتك للخادم، ونظرك إلى وجهه الجميل؟

فقال: وقد لحقنى ما رأيت من العثرة، لأنى فكرت أنّ به عاهة! وهي قطع انثييه، قال برذعة: وشيخنا يتطيّر؟ قلت: نعم ويفرط، قال: ومن هو؟

قلت: على بن العباس، قال: الشاعر؟ قلت: نعم، فأقبل عليه وأنشده:

ولما رأيت الدهر يؤذن صرفه ... بتفريق ما بينى وبين الحبائب

رجعت إلى نفسى فوطّنتها على ... ركوب جميل الصّبر عند النوائب

ومن صحب الدنيا على جور حكمها ... فأيامه محفوفة بالمصائب

فخذ خلسة من كل يوم تعيشه ... وكن حذرا من كامنات العواقب

ودع عنك ذكر الفأل والزّجر واطّرح ... تطيّر جار أو تفاؤل صاحب

فبقى ابن الرومى باهتا ينظر إليه ولم أدر أنه شغل قلبه بحفظ ما أنشده، ثم قام أبو حذيفة وبرذعة معه، فحلف ابن الرومى لا يتطيّر أبدا من هذا ولا من

<<  <  ج: ص:  >  >>