يلين لاستعطاف، جائر الحكم فلا يميل إلى إنصاف، وكم أستعدى على صرفه وأستنجد، وأتلظّى غيظا عليه وأنشد:
متى وعسى يثنى الزمان عنانه ... بعثرة حال والزّمان عثور
فتدرك آمال وتقضى مآرب ... وتحدث من بعد الأمور أمور
وكلّا، فما على الدهر عتب، ولا له على أهله ذنب؛ وإنما هي أقدار تجرى كما شاء مجريها، وتنفذ كالسهام إلى مراميها؛ فهى تدور بالمكروه والمحبوب، على الحكم المقدور والمكتوب، لا على شهوات النفوس وإرادات القلوب؛ وإذا أراد الله تعالى أذن في تقريب البعيد النازح، وتسهيل الصّعب الجامح، فيعود الأنس بلقاءك الإخوان كأتمّ ما لم يزل معهودا، ويجدد للمذاكرة والمؤانسة رسوما وعهودا؛ إنه الملبّى به، والقادر عليه.
وله إلى أبيه: ولو ملكت عنان اختيارى، وأسعفنى ببعض ما أقترحه القدر الجارى، لما غبت عن حضرته- آنسها الله! - ساعة من دهرى، كما لا أعدّ ساعات بعدى عنها وإخلائى لبابها من أيام عمرى؛ ولكنت أبدا ماثلا بها فى زمرة الخدم والعبيد، جامعا بها بين حاشيتى العز المديد، والشرف العتيد؛ لا سيما في هذا الوقت وقد أشرقت البلاد بنور طلعته التي هي في ظلمة الدّهر صباح، وعز مطالعته التي فيها لصدور ذوى الشّنأ شجا ولزند الآمال اقتداح، ومعاودة ظلّه التي أضحت الشمس من حساده، والزمان من عدد ساكنيه وعتاده، إلا أن الحريص- كما علمه مولانا- مخلى عن أعذب موارده، وممنوع بالعوائق عن أكرم مطالعه ومقاصده.
وله يستفتح مكاتبة بعض إخوانه:
أنا وإن لم تتقدم بينى وبينه المكاتبة، وعادة المساجلة والمفاوضة، من فرط حرصى على افتتاحها وتعاطيها، واعتراض العوائق دون المراد والغرض فيها، فإن