للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلبى بودّه مغمور، وضميرى على مصافاته مقصور، فاعتداده لفضائله التي أصبح فيها أو حدىّ العنان، وزاحم فيها منكب العنان «١» ، واستأثر فيها بالغرر والاوضاح، ما أوفى بها على غرّة الصباح، حتى تشاهدت بها ضمائر القلوب، وتهادت أنباءها ألسنة البعيد والقريب، اعتداد من يجمع بالاعتداد لها بين شهادة قلبه ولسانه، ومن ينظم في إجلال قدرها صفقة إسراره وإعلانه، فهو يتنسّم الريح إذا هبّت من ناحيته شوقا ونزاعا، ويستملى الوارد والصادر خبر سلامته انصياعا بالودّ إليه وانقطاعا.

شذور من كلامه في أثناء رسائل شتى: أياديه التي غمرتنى سجالها، واتّسع عندى مجالها، وأعيا شكرى عفوها وانثيالها، تناولت فيها المنى دانية القطوف، واجتليت أنوار العيش مأمونة الكسوف، ليس يكاد يبرد غليل شوقى وحنينى، أو ترجع نافرة انسى وسكونى، أو تخلو من الاهتمام والفكرة فيه خواطرى وظنونى، إلا بالتقاء يدنو أمده، ويقرب موعده، وتعلو على الفراق يده، فنعاود العيش طلقا غزيرا، ونجتنى ثمر المنى غضّا نضيرا، ونجتلى وجه الزمان مشرقا منيرا. فوائده لها عندى أثر الغمام أو أنفع، ومحلّ السّماك أو أرفع. حالى في مفارقة حضرته حال بنات الماء قد نضب عنها الغدير، ونبات الأرض «٢» أخطأها النّوء المطير. لهفى على دهر الحداثة إذ غصن شبابى غضّ وريق، ونقل شرابى عضّ وريق. كلام أحلى من ريق النحل، وأصفى من ريق الوبل. من تسوّد قبل وقته وآلته، فقد تعرّض لمقته وإذالته. نظمه له:

إن من يلتمس الصّد ... ر بلا وقت وآله

لحقيق أن يلقّى ... كل مقت وإذاله

الشكل للكتاب، كالحلى للكعاب. لو كان الشباب فضّة لكان الشيب له خبثا. النعمة عروس مهرها الشكر، وثوب صونه النّشر. الخضاب تذكرة الشباب. لا تقاس المهاوى بالمراقى، ولا الأقدام بالتّراقى، ولا البحور بالسواقى.

<<  <  ج: ص:  >  >>