لقد فرح الواشون أن صرمت حبلى ... بثينة أو أبدت لنا جانب البخل
يقولون: مهلا يا جميل، وإنّنى ... لأقسم مالى عن بثينة من مهل
خليلىّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلى
نقله أبو العتاهية، فقال:
يا من رأى قبلى قتيلا بكى ... من شدّة الوجد على القاتل
فلما أتمّها قال لعمر: يا أبا الخطاب، هل قلت في هذا الروىّ شيئا؟ قال:
نعم، ثم أنشده:
جرى ناصح بالود بينى وبينها ... فعرّضنى يوم الحصاب إلى قتلى
فما أنس م الأشياء لا أنس قولها ... وموقفها يوما بقارعة النخل
فلما تواقفتا عرفت الذى بها ... كمثل الذى بى حذوك النّعل بالنّعل
فسلّمت واستأنست خيفة أن يرى ... عدوّ مكانى أو يرى حاسد فعلى
وأقبل أمثال الدّمى يكتنفنها ... وكلّ يفدّى بالمودّة والأهل
فقالت وأرخت جانب السّتر: إنما ... معى فتكلّم غير ذى رقبة أهلى
فقلت لها: ما بى لهم من ترقّب ... ولكنّ سرّى ليس يحمله مثلى
فاستخذى جميل وصاح: هذا والله الذى طلبت الشعراء فأخطأته، فتعلّلوا بوصف الديار، ونعت الأطلال.
ولما مات عمر بن أبى ربيعة نعى لامرأة من مولّدات مكة، وكانت بالشام، فبكت وقالت: من لأباطح مكة؟ ومن يمدح نساءها، ويصف محاسنهن، ويبكى طاعتهن؟! فقيل لها: قد نشأ فتى من ولد عثمان بن عفان «١» على طريقته، فقالت: أنشدونى له، فأنشدوها:
وقد أرسلت في السر ليلى بأن أقم ... ولا تقربنّا فالتجنّب أجمل
لعلّ العيون الرامقات لوصلنا ... تكذب عنّا أو تنام فتغفل
أناس أمنّاهم فبثوا حديثنا ... فلما كتمنا السرّ عنهم تقوّلوا