للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما ظفر الإسكندر بدارا بن دارا قال له: بم اجترأ عليك صاحب شرطتك؟

قال: بتركى ترهيبه وقت إساءته وتفريطه، وإعطائه وقت الإحسان اليسير من فعله نهاية رغبته. فقال الإسكندر: نعم العون على استصلاح القلوب الموغرة الترغيب بالأموال، وأصلح منه عاجلا الترهيب وقت الحاجة إليه.

وقال الحسن بن سهل: خرج بعض ملوك الفرس متنزّها، فلقى بعض الحكماء، فسأله عن أحزم الملوك، فقال: من ملك جدّه هزله، وقهر لبّه هواه، وأعرب لسانه عن ضميره، ولم يخدعه رضاه عن سخطه، ولا غضبه عن صدقه. فقال الملك: لا، بل أحزم الملوك من إذا جاع أكل، وإذا عطش شرب، وإذا تعب استراح. فقال الحكيم: أيها الملك، قد أجدت الفطنة.

هذا العلم مستفاد أم غريزى؟ قال: كان عندنا معلّم من حكماء الهند، وكان هذا نقش خاتمة. قال: فهل علّمك غير هذا؟ قال: ومن أين يوجد مثل هذا عند رجل واحد؟ ثم قال له الملك: علّمنى من حكمتك أيّها الحكيم قال: نعم، احفظ عنى ثلاث كلمات. قال: ما هنّ؟ قال: صقلك السيف ليس له جوهر من سنخه «١» خطأ، وصبّك الحبّ فى الأرض السّبخة ترجو نباته جهل، وحملك المسنّ على الرياضة عناء.

قال أبو تمّام الطائى:

والسيف ما لم يلف فيه صيقل ... من سنخه لم ينتفع بصقال

وقيل لبعض الحكماء: ما الدليل الناصح؟ قال: غريزة الطبع. قيل: ما القائد المشفق؟ قال: حسن المنطق. قيل: فما العناء المعنّى؟ قال: تطبيعك ما لا طبع له.

وكان أنوشروان يقول: الناس ثلاث طبقات تسوسهم ثلاث سياسات:

[طبقة من خاصة الأحرار تسوسهم بالعطف واللّين والإحسان، و] طبقة من خاصة الأشرار تسوسهم بالغلظة والعنف والشدّة، وطبقة من العامة تسوسهم باللين والشدة، لئلا تحرجهم الشدّة، ولا يبطرهم «٢» اللّين.

<<  <  ج: ص:  >  >>