للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وله من رسالة طويلة، جواب لأبى شجاع عضد الدولة عن كتاب اقتضاه فيه صدر كتاب ألّفه أبو الحسن الصوفى فى نوع من علوم الهيئة.

أنا أقدم الإجابة بحمد الله تعالى جدّه، على ما وهب لنا معاشر عبيده وخدمه خاصة، بل لرعاياه عامّة، بل لأهل الأرض كافة، من عظيم النعمة بمكانه، وجسيم الموهبة بإنفاق أعمارنا فى زمانه، حتى شاركناه فى أسباب السعادة التى لم تزل مذخورة عليه، حتى صارت إليه، وساهمناه فى موادّ الفضيلة التى لم تزل محفوظة له حتى انّصلت به؛ فإنّ المرء أشبه شىء بزمانه، وصفات كل زمان منتسخة من سجايا سلطانه؛ فإن فضل شاع الفضل فى الزمان وأهله، وتحلّى الدّهر بأفضل حليته، وتجلّى للعيون والقلوب بأحسن زينته، وكسابنيه والناشئين فيه بشرف جوهره، وأورثهم نيل فضله، وعزّ العلم وأهله، وعرف لمقتبسه قدره، وتوجّهت الاذهان نحوه، وتعلّقت الخواطر به، وصرفت الفكر فيه، ونشدت ضوالّه، ونظم أشتاته، وجمعت أفراده، ووثقت نفوس الساعين فى استفادته بحسن عائدته، فحرصت عليه، وصرفت نظرها إليه، وأيقنت فى بضاعتها بالنّفاق، وفى تجارتها بالإرفاق؛ فصار ذلك إلى نماء العلوم وزيادتها داعية، ولتكثير قليلها وإيضاح مجهولها سببا وعلّة، وإلى انخراط جواهرها المتفرقة فى سلوك التصنيف سبيلا، وإلى تقييد شواردها بعقل «١» التأليف طريقا. وإن رذل السلطان اتّبعت الرذيلة اتباعا، وذهبت القضائل ضياعا، وبطلت الأقدار والقيم، وسلبت الأخطار والهمم، وزال العلم والتعلم، ودرس الفهم والتفهم، وضرب الجهل بجرانه، ووطىء بمنسمه، واستعلى الخمول على النباهة، واستولى الباطل على الحقّ، وصار الأدب وبالا على صاحبه، والعلم نكالا على حامله. وبحسب عظيم المحنة بمن هذه صفته، والبلوى مع من هذه صورته، تعظم النعمة بملك سلطان عالم، كالأمير الجليل عضد الدولة، أطال الله تعالى بقاءه، وأدام قدرته، الذى أحله الله عزّ وجل من الفضائل بملتقى طرقها ومجتمع فرقها، فهى نوادّ ممن لاقت

<<  <  ج: ص:  >  >>