للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بها منه؛ فأحببت أن تتقدّم فى اختيار أقلام قصبية، وتتأنّق فى انتقائها قبلك، وطلبها فى منابتها، من شطوط الأنهار، وأرجاء الكروم، وأن تتيمّم باختيارك منها الشديدة المجسّ، الصّلبة المعضّ، الغليظة الشحوم، المكتنزة الجوانب، الضيّقة الأجواف، الرزينة الوزن، فإنها أبقى على الكتاب، وأبعد من الحفاء، وأن تقصد بانتقائك منها للرقاق القضبان، اللطاف المنظر، المقوّمات الأود، الملس العقد، ولا يكون فيها التواء عوج ولا أمت؛ وضمّ الصافية القشور، الخفية الأبن «١» ، الحسنة الاستدارة، الطويلة الأنابيب، البعيدة ما بين الكعوب، الكريمة الجواهر، المعتدلة القوام، تكاد أسافلها تهتزّ من أعلاها، لاستواء أصولها برءوسها، المستكملة يبسا، القائمة على سوقها، قد تشرّبت الماء في لحائها، وانتهت فى النّضج منتهاها، لم تعجّل عن تمام مصلحتها، وإبّان ينعها، ولم تؤخّر فى الأيام المخوفة عاهاتها؛ من خصر الشتاء، وعفن الأنداء، فإذا استجمعت عندك أمرت تقطعها ذراعا ذراعا، قطعا رفيقا تتحرّز معه أن تتشعّب رءوسها، أو تنشق أطرافها، ثم عبأت منها حزما فيما يصونها من الأوعية، وعليها الخيوط الوثيقة، ووجّهتها مع من يحتاط فى حراستها وحفظها وإيصالها؛ إذ كان مثلها يتوانى فيه، لقلّة خطرها عند من لا يعرف فضل جوهرها؛ واكتب معه بعدّتها وأصنافها وأجناسها وصفاتها، على الاستقصاء، من غير تأخير ولا إبطاء.

فأجابه ووجّه إليه مع الأنابيب: أتانى كتاب الأمير- أعزّه الله! - بما أمر به ولخصه، من البعث بما شاكل نعته، وضاهى صفته، من أجناس الأقلام، فتيممت بغيته قاصدا لها، وانتهجت معالم سبله آخذا بها، فأنفذت إليه حزما أنشئت بلطيف السّقيا، وحسن العهد والبقيا، لم تعجل بإخراجها، ولا بودرت

<<  <  ج: ص:  >  >>