ودخل على الرشيد فقال: تكلّم يا عتّابىّ! فقال: الإيناس قبل الإبساس، لا يمدح المرء بأوّل صوابه، ولا يذمّ بأول خطئه؛ لأنه بين كلام زوّره، أوعى حصره.
وذكر أبو هفّان أنّ الرشيد لقيه بعد قتل جعفر بن يحيى وزوال نعمته، فقال: ما أحدثت بعد يا عتّابى؟ فأنشده ارتجالا:
تلوم على ترك الغنى باهلية ... طوى الدهر عنها كلّ طرف وتالد
رأت حولها النسوان يرفلن فى الكسا ... منظمة أجيادها بالقلائد
أسرّك أنى نلت ما نال جعفر ... من الملك أو ما نال يحيى بن خالد
وأن أمير المؤمنين أغصّنى ... مغصّهما بالمرهفات البوارد
فإنّ رفيعات المعالى مشوبة ... بمستودعات فى بطون الأساود
وكان متحرفا عن البرامكة، وفيهم يقول:
إنّ البرامك لا تنفكّ أبحية ... بصفحة الدّين من نجواهم ندب «١»
تجرّمت حجج منهم ومنصلهم ... مضرّج بدم الإسلام مختضب «٢»
واجتاز عبد الله بن طاهر بالرقة بمنزل العتّابى، فقال: أليس هذا منزل كلثوم ابن عمرو؟ قيل: نعم، فثنى رجله، ودخل إليه، فألفاه جالسا فى بيت كتبه، فحادثه وذاكره، ثم انصرف، فتحدّث الناس فى ذلك، وقالوا: إن الأمير لم يقصده، وإنما اجتاز به فأخطر ذلك الزيارة، فكتب إليه: