للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رجل من الوفد بحاجته فى خاصته، والأحنف ساكت، فقال له عمر: قل يا فتى! فقام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ العرب نزلت بمساكن طيبة، ذات ثمار وأنهار عذاب، وأكنّة ظليلة «١» ، ومواضع فسيحة، وإنا نزلنا بسبخة نشّاشة، ماؤها ملح، وأفنيتها ضيقة، وإنما يأتينا الماء فى مثل حلق النعامة فإلّا تدركنا يا أمير المؤمنين بحفر نهر يغزر ماؤه، حتى تأتى الأمة فتغرف بجرّتها وإنائها أوشك أن نهلك، قال: ثم ماذا؟ قال: تزيد فى صاعنا ومدّنا، وتثبت من تلاحق فى العطاء من ذريتنا. قال: ثم ماذا؟ قال: تخفّف عن ضعيفنا، وتنصف قوينا، وتتعاهد ثغورنا، وتجهّز بعثنا، قال: ثم ماذا؟ قال: إلى ها هنا انتهت المطالب، ووقف الكلام.

قال: أنت رئيس وفدك، وخطيب مصرك، قم عن موضعك الذى أنت فيه.

فأدناه حتى أقعده إلى جانبه، ثم سأله عن نسبه، فانتسب له، فقال: أنت سيد تميم، فبقيت له السيادة إلى أن مات.

وهو الأحنف، واسمه الضحّاك بن قيس بن معاوية بن حصين بن حصن ابن عبادة بن النزال بن مرّة بن عبيد بن مقاعس بن عمرو بن كعب بن [سعد بن] زيد مناة بن تميم وقال بعض بنى تميم: حضرت مجلس الأحنف وعنده قوم مجتمعون له فى أمر لهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّ الكرم منع الحرم، ما أقرب النقمة من أهل البغى، لا خير فى لذّة تعقب ندما، لم يهلك من اقتصد، ولم يفتقر من زهد، رب هزل قد عاد جدا، من أمن الزمان خانه، ومن تعظّم عليه أهانه، دعوا المزاح فإنه يؤرّث «٢» الضغائن، وخير القول ما صدّقه الفعل، احتملوا لمن أدلّ عليكم، واقبلوا عذر من اعتذر إليكم، أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، إيّاكم ومشاورة

<<  <  ج: ص:  >  >>