للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النساء، واعلم أنّ كفر النّعم لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، ومن الكرم الوفاء بالذّمم، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد اللّطف، والعداوة بعد الودّ، لا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل، واعلم أنّ لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فأنفق فى حقّ، ولا تكن خازنا لغيرك، وإذا كان الغدر موجودا فى الناس فالثّقة بكل أحد عجز؛ اعرف الحقّ لمن عرفه لك، واعلم أنّ قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل.

قال: فما سمعت كلاما أبلغ منه. فقمت وقد حفظته.

ودخل الأحنف على معاوية، ويزيد بين يديه، وهو ينظر إليه إعجابا، فقال:

يا أبا بحر، ما تقول فى الولد؟ فعلم ما أراد، فقال: يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرّة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منّا بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك وأعتبهم «١» . ولا تمنعهم رفدك فيملّوا قربك، ويستثقلوا حياتك، ويتمنوا وفاتك.

قال: لله درّك يا أبا بحر، هم كما قلت! وزعمت الرواة أنها لم تسمع للأحنف إلّا هذين البيتين:

فلو مدّ سروى بمال كثير ... لجدت وكنت له باذلا

فإنّ المروءة لا تستطاع ... إذا لم يكن مالها فاضلا

وكان يبخّل. وقال لبنى تميم: أتزعمون أنى بخيل! والله إنى لأشير بالرّأى قيمته عشرة آلاف درهم! فقالوا: تقويمك لرأيك بخل. وكان الأحنف من الفضلاء الخطباء النّسّاك، وبه يضرب المثل فى الحلم وقد ذكر للنبى صلّى الله عليه وسلم فاستغفر له؛ فقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم رجلا إلى قومه بنى سعد يعرض عليهم الإسلام، فقال الأحنف: إنه يدعوكم

<<  <  ج: ص:  >  >>