للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر فى هذه الرسالة فصلا فى ذكر العلم- وهو مستطرف البلاغة، مستعذب البراعة- قال:

والعلم- أطال الله بقاء القاضى- شىء كما تعرفه، بعيد المرام، لا يصاد بالسّهام، ولا يقسم بالأزلام «١» ؛ ولا يرى فى المنام [ولا يضبط باللجام، ولا يورث عن الأعمام، ولا يكتب للئام] ، وزرع لا يزكو «٢» حتى يصادف من الحزم ثرى طيبا، ومن التوفيق مطرا صيّبا؛ ومن الطبع جوّا صافيا، ومن الجهد روحا دائما، ومن الصبر سقيا نافعا، والعلم علق «٣» لا يباع ممن زاد، وصيد لا يألف الأوغاد، وشىء لا يدرك إلّا بنزع الروح، وعون الملائكة والرّوح، وغرض لا يصاب إلا بافتراش المدر «٤» ، واتّساد الحجر، وردّ الضجر، وركوب الخطر، وإدمان السهر، واصطحاب السفر، وكثرة النظر، وإعمال الفكر، ثم هو معتاص إلا على من زكا زرعه، وخلا ذرعه، [وكرم أصله وفرعه، ووعى بصره وسمعه] ، وصفا ذهنه وطبعه، فكيف يناله من أنفق صباه على الفحشاء؛ وشبابه على الأحشاء، وشغل نهاره بالجمع، وليله بالجماع، وقطع سلوته بالغنى، وخلوته بالغناء، وأفرغ جده على الكيس، وهزله فى الكأس؛ والعلم ثمر لا يصلح إلا للغرس، ولا يغرس إلا فى النفس، وصيد لا يقع إلا فى الندر، ولا ينشب إلّا فى الصدر، وطائر لا يخدعه إلّا قنص اللفظ، ولا يعلقه إلّا شرك الحفظ [ولا ينشب إلّا فى الصدر،] وبحر لا يخوضه الملّاح، ولا تطيقه الألواح، ولا تهيجه الرياح، وجبل لا يتسنم إلا بخطا الفكر، وسماء لا يصعد إلا بمعراج الفهم، ونجم لا يلمس إلا بيد المجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>