للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فولّى المظالم وهو لا يعرف أسرارها، وحمل الأمانة وهو لا يدرى مقدارها؛ والأمانة عند الفاسق خفيفة المحمل على العاتق، تشفق منها الجبال، ويحملها الجهّال، وقعد مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حديثه يروى، وكتاب الله يتلى، وبين البينة والدعوى، فقبّحه الله تعالى من حاكم لا شاهد عنده أعدل من السّلّة والجام «١» ، يدلى بهما إلى الحكّام، ولا مزكى أصدق لديه من الصّفر «٢» ، ترقص على الظفر، ولا وثيقة أحبّ إليه من غمزات الخصوم، على الكيس المختوم، ولا كفيل أوقع بوفاقه من خبيئة الذّيل، وحمال الليل، ولا وكيل أعز عليه من المنديل والطبق، فى وقت الغسق والفلق، ولا حكومة أبغض إليه من حكومة المجلس، ولا خصومة أوحش لديه من خصومة المفلس، ثم الويل للفقير إذا ظلم، فما يغنيه موقف الحكم إلا بالقتل من الظلم، ولا يجيره مجلس القضاء إلا بالنار من الرمضاء. وأقسم لو أن اليتيم وقف بين أنياب الأسود، بل الحيات السّود، لكانت سلامته منهما أرجى من سلامته إذا وقع من هذا القاضى بين عقاربه وأقاربه؛ وما ظنّ القاضى بقوم يحملون الأمانة على متونهم، ويأكلون النار فى بطونهم، حتى تغلظ قصراتهم «٣» من مال اليتامى، وثسمن أكفالهم من مال الأيامى، وما رأيه فى دار عمارتها خراب الدور، وعطلة القدور، وخلاء البيوت، من الكسوة والقوت، وما قوله فى رجل يعادى الله فى الفلس، ويبيع الدّين بالثمن البخس، وفى حاكم يبرز فى ظاهر أهل السّمت، وباطن أصحاب السبت، فعله الظلم البحت، وأكله الحرام السّحت. وما قوله فى سوس لا يقع إلا على صوف الأيتام؛ وجراد لا يقع إلا على الزرع الحرام، ولصّ لا ينقب إلا خزانة الأوقاف، وكردى لا يغير إلا على الضعاف، وليث لا يفترس عباد الله إلا بين الركوع والسجود، وخارب «٤» لا ينهب مال الله إلا بين العهود والشهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>