للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى أرزق لقاءه، وأتعجّب من قعود همّته بحالته، مع حسن آلته، وقد ضرب الدهر شؤونه أسدادا «١» وهلمّ جرا. إلى أن اتفقت لى حاجة بحمص، فشحذت إليها الحرص، فى صحبة أفراد كنجوم اللّيل، أحلاس «٢» لظهور الخيل، فأخذنا الطريق ننتهب مسافته، ونستأصل شأفته، ولم نزل نفرى أسنمة النّجاد «٣» بتلك الجياد، حتى صرن كالعصىّ، ورجعن كالقسىّ، وتاح لنا واد فى سفح جبل، ذى ألاء وأثل، كالعذارى يسرّحن الضفائر، وينشرن الغدائر، فمالت الهاجرة بنا إليها، فنزلنا نغوّر ونغور، وربطنا الأفراس بالأمراس، وملنا مع النّعاس، فما راعنا إلا صهيل الخيول، ونظرت إلى فرسى وقد أرهف أذنيه، وطمح بعينيه، يجذّ قوى الحبل بمشافره، ويخدّ خدّ الارض بحوافره، ثم اضطربت الخيل، فأرسلت الأبوال، وقطّعت الحبال، وصار كلّ منا إلى سلاحه، فإذا الأسد فى فروة الموت، قد طلع من غابه، منتفجا فى إهابه، كاشرا عن أنيابه، بطرف قد ملىء صلفا، وأنف قد حشى أنفا.

وصدر لا يبرحه القلب، ولا يسكنه الرّعب، فقلنا: خطب والله ملمّ، وحادث مهمّ، وتبادرنا إليه من سرعان الرّفقة فتى:

أخضر الجلدة من بيت العرب ... يملأ الدّلو إلى عقد الكرب

بقلب ساقه قدر، وسيف كله أثر، فملكته سورة الأسد، فخانته أرض قدمه، حتى سقط ليده وفمه، وتجاوز الأسد مصرعه، إلى من كان معه، ودعا الحين أخاه، إلى مثل ما دعاه، فسار إليه، وعقل الرّعب يديه، فأخذ أرضه وافترس الليث صدره، ولكن شغلت بعمامتى فمه، حتى حقنت دمه، وقام الفتى فوجأ بطنه حتى هلك من خوفه، والأسد بالوجأة فى جوفه، ونهضنا

<<  <  ج: ص:  >  >>