للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أثر الخيل، فتألفنا منها ما ثبت، وتركنا ما أفلت، وعدنا إلى الرفيق لنجهزه.

فلما حثونا الترب فوق رفيقنا ... جزعنا ولكن أىّ ساعة مجزع

وعدنا إلى الفلاة، فهبطنا أرضها، وسرنا حتى إذا ضمرت المزاد، ونفد الزاد، أو كاد يدركه النفاد، ولم نملك الذهاب ولا الرّجوع، وخفنا القاتلين الظمأ والجوع، عنّ لنا فارس فصمدنا صمده، وقصدنا قصده، ولما بلغنا نزل عن حاذ فرسه ينقش الأرض بشفتيه، ويلقى التراب بيديه، وعمدنى من بين الجماعة، فقبل ركابى، وتحرّم بثيابى، ونظرت فإذا وجه يبرق برق العارض المتهلل، وفرس متى ما ترقّ العين فيه تسهل، وعارض قد اخضرّ، وشارب قد طر، وساعد ملآن، وقضيب ريّان، ونجار تركى، وزى ملكى، فقلت:

ما جاء بك؟ لا أبالك! فقال: أبا عبد بعض الملوك، همّ من قتلى بهمّ، فهمت على وجهى إلى حيث ترانى، وشهدت شواهد حاله، على صدق مقاله، ثم قال: أنا اليوم عبدك، ومالى مالك، فقلت: بشرى لك وبك، أدّاك سيرك إلى فناء رحب، وعيش رطب، وهنأتنى الجماعة، بحسب الاستطاعة، وجعل ينظر فتقتلنا ألحاظه، وينطق فتفتننا ألفاظه، والنفس تناجينى فيه بالمحظور، والشيطان من وراء الغرور، فقال: يا سادة، إنّ فى سفح هذا الجبل عينا، وقد ركبتم فلاة عوراء «١» ، فخذوا من هنالك الماء، فلوينا الأعنة إلى حيث أشار، وبلغناه وقد صهرت الهاجرة الأبدان، وركبت الجنادب العيدان «٢» ، فقال: ألا تقيلون فى هذا الظل الرّحب، على هذا الماء العذب؟ فقلنا: أنت وذاك، فنزل عن فرسه، ونحى منطقته، وحلّ قرطقته «٣» ، فما استتر عنا إلا بغلالة [تنمّ] على بدنه،

<<  <  ج: ص:  >  >>