للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما شككنا أنّه خاصم الولدان، ففارق الجنان، وهرب من رضوان، وعمد إلى السروج فحطّها، وإلى الأفراس فحشّها «١» ، وإلى الأمكنة ففرشها، وقد حارت البصائر فيه، ووقعت الأبصار عليه، ووتد كل منا شبقا، وخنث اللفظ ملقا. وقلت: يا فتى، ما ألطفك فى الخدمة! وأحسنك فى الجملة! فالويل لمن فارقته، وطوبى لمن رافقته، فكيف نشكر الله على النعمة بك؟! فقال:

ما سترونه أكثر، أتعجبكم خفّتى فى الخدمة، فكيف لو رأيتمونى فى الرّفقة؟

أريكم من حذقى طرفا، لتزدادوا بى شغفا؟ فقلنا: هات، فعمد إلى قوس [أحدنا] فأوتره؛ وفوّق سهما فرماه فى السماء، وأتبعه بآخر فشقّه فى الهواء، وقال: سأريكم نوعا آخر، ثم عمد إلى كنانتى فأخذها، وإلى فرسى فعلاه، ورمى أحدنا بسهم أثبته فى صدره، وآخر طيره من ظهره، فقلت: ويحك! ما تصنع؟ قال: اسكت يالكع، والله ليشدنّ كل منكم يد رفيقه، أو لأغصنه بريقه، فلم ندر ما نصنع، وأفراسنا مربوطة، وسروجنا محطوطة، وأسلحتنا بعيدة، وهو راكب ونحن رجّالة، والقوس فى يده يرشق بها الظهور، ويمشق بها «٢» البطون والصدور، وحين رأينا منه الجدّ، أخذنا «٣» القدّ، فشدّ بعضنا بعضا، وبقيت وحدى لا أجد من بشدّنى، فقال: اخرج بإهابك «٤» ، عن ثيابك، ثم نزل عن فرسه، وجعل يصفع الواحد منا بعد الآخر، ويقول:

أقمت قضيبك، فخذ نصيبك، [ونزع ثيابه] وصار إلىّ وعلىّ خفّان جديدان فقال: اخلعهما لا أمّ لك، فقلت: هذا خفّ لبسته رطبا، فليس يمكننى خلعه فقال: علىّ نزعه، ثم دنا لينزع الخف، ومددت يدى إلى سكّين فيه

<<  <  ج: ص:  >  >>