للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعاد النهار أسود، والعيش أنكد. غرب لموته نجم الفضل، وكسدت سوق الأدب، وقامت نوادب السماحة، ووقف فلك الكرم، ولطمت عليه المحاسن خدودها، وشقت له المناقب جيوبها [وبرودها] ، قد كانت الرزيّة بحيث مارت السماء مورا، وسارت الجبال سيرا، حتى شوهدت الكواكب ظهرا، ثم تهافتت شفعا ووترا، فارتاعت الأمّة، وانبسطت الظلمة، وارتفعت الرّحمة، واضطربت الملّة، وقامت نوادب المجد، وأصبح الناس من القيامة على وعد. إن المجد بعده لجارى الدمع، وإنّ الفضل لمنزعج النفس، وإنّ الكرم لحرج الصدر، وإن الملك لواهن الظّهر «١» . كتابى وأنا من الحياة متذمّم، وبالعيش متبرّم، بعد ما ماد الطّود الشامخ، وزال الجبل الباذخ، ونطقت نوادب المجد، وأقيمت مآتم الفضل.

نهى؟؟؟ فلان فتنكّر وجه الدهر، وقبضت مهجة الفخر، فلا قلب إلّا قد تباين صدعه، ولا عين إلا وهى ترشح بالدّم بعده. كتبت والأحشاء محترقة، والأجفان بمائها غرقة، والدمع واكف، والحزن عاكف. مصاب أطلق أسراب الدموع وفرّقها، وأقلق أعشار القلوب وأحرقها، مصاب فضّ عقود الدموع، وشبّ النار بين الضلوع. مصاب أذاب دموع الأحرار، فتحلّبت «٢» سحائب الدموع الغزار، وانسدّت مسالك السكون والاستقرار. كتبت عن عين تدمع، وقلب يجزع، ونفس تهلع «٣» ، وقد أذللت مصون العبرة، وحجبت وافد الحيرة، ومدّ الهمّ إلى جسمى يد السقم، وجرّ الدمع على خدّى ذيول الدم. لولا أن العين بالدمع أنطق من كل لسان وقلم، لأخبرت عن بعض ما أوهن ظهرى، وأوهى أزرى. إنّ الفجيعة إذا لم تحارب بجيش من البكاء، ولم يخفّف من أثقالها بالاشتكاء، تضاعف داؤها، وازدادت أعباؤها، وعزّ دواؤها. قد شفيت غليلى بما استذريته

<<  <  ج: ص:  >  >>