للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أسراب الدموع المتحيرة، وخفّفت عنى بعض البرحاء بما امتريته من أخلافها المتحدرة. إن فى إسبال العبرة، وإطلاق الزّفرة، والإجهاش بالبكاء والنشيج، وإعلان الصياح والضجيج، تنفيسا عن برحاء القلوب، وتخفيفا من أثقال الكروب. قد أتى الدهر بما هدّ الأصلاب، وأطار الألباب، من النازلة الهائلة، والفجيعة الفظيعة. زرء أضعف العزائم القوية، وأبكى العيون البكيّة. مصيبة زلزلت الأرض، وهدّمت الكرم المحض، وسلبت الأجفان كراها، والأبدان قواها. فجيعة لا يداوى كلمها آس «١» ، ولا يسدّ ثلمها تناس.

مصيبة تركت العقول مدلّهة، والنفوس مولهة. رزء هضّ وهاض «٢» ، وأطال الانخزال والانخفاض، ولم يرض بأن فضّ الأعضاء، حتى أفاض الدماء. رزء ملأ الصدور ارتياعا، وقسم الألباب شعاعا، وترك الجفون مقروحة، والدموع مسفوحة، والقوى مهدودة، وطرق العزاء مسدودة. رزء نكأ القلوب وجرحها، وأحرّ الأكباد وقرّحها، مالى يد تخطّ إلّا بكلفة، ولا نفس تردد إلا فى غصّة، ولا عين تنظر إلى من وراء قذى، ولا صدر ينطوى إلّا على أذى؛ فالدموع واكفة، والقلوب واجفة، والهمّ وارد، والانس شارد.

والناس مأتمهم عليه واحد ... فى كل دار رنّة وزفير

كأنى كندة وهى تلهّف على حجر «٣» ، والخنساء تبكى على صخر. أنا بين عبرة وزفرة، وأنّة وحسرة، وتململ واضطراب، واشتعال والتهاب. مصيبة أصبحت لغمّتها وقيذا، ولكربتها أخيذا. كتبت وقد ملك الجزع عزائى، وحصل ناظرى فى إسار بكائى، فالقلب دهش، والبنان يرتعش، وأنا من البقاء متوحّش. قد انتهى بى الهلع إلى حيث لا التّأسّى مصحب، ولا التناسى مصاحب، بى انزعاج يحلّ عقد الحزم، واكتتاب ينقض شروط العزم. قد بلغ الحزن مبلغا

<<  <  ج: ص:  >  >>