نحن الأخايل ما يزال غلامنا ... حتى يدبّ على العصا مذكورا
قال أبو زيد: [هذا البيت لها فسمّيت به، وليلى أغزر بحرا] ، وأكثر تصرفا، وأقوى لفظا؛ والخنساء أذهب فى عمود الرثاء.
قال المبرد: كانت الخنساء وليلى الأخيلية فى أشعارهما متقدمتين لأكثر الفحول، وقلما رأيت امرأة تتقدّم فى صناعة، وإن قل ذلك، فالجملة ما قال الله تعالى:
«أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ» .
ومن أحسن المرائى ما خلط فيه مدح بتفجع على المرثى، فإذا وقع ذلك بكلام صحيح، ولهجة معربة، ونظام غير متفاوت، فهو الغاية من كلام المخلوقين.
واعلم أن من أجلّ الكلام قول الخنساء:
يا صخر ورّاد ماء قد تناذره ... أهل المياه فما فى ورده عار
مشى السّبنتى إلى هيجاء معضلة ... لها سلاحان أنياب وأظفار «١»
وما عجول على بوّ تطيف به ... لها حنينان إعلان وإسرار
ترتع فى غفلة حتى إذا ادّكرت ... فإنما هى إقبال وإدبار «٢»
يوما بأوجع منى حين فارقنى ... صخر، وللعيش إحلاء وإمرار
لم تره جارة يمشى بساحتها ... لريبة حين يخلى بيته الجار
قال: ومن كامل قولها:
فلولا كثرة الباكين حولى ... على إخوانهم لقتلت نفسى
وما يبكون مثل أخى، ولكن ... أسلّى النفس عنه بالتأسّى
يذكّرنى طلوع الشمس صخرا ... وأذكره لكلّ غروب شمس