والقهر، حتى لا يزاول خطبا إلا تذلّلت به صعابه، ولا يمارس أمرا إلا تيسّرت أسبابه، ولا يروم «١» حالا إلا أذعن لهيبته وسلطانه، وخضع لسيفه وسنانه، وذلّ لمعقد لوائه، ومنثنى عنانه، إلى أن ينال من آماله أقاصيها، ويملك من باغيه أزمّتها ونواصيها [ويسامى الثريا بعلوّ همته ويناصيها] .
وله فصل: إنما أشكو إليك زمانا سلب ضعف ما وهب، وفجع بأكثر مما أمتع، وأوحش فوق ما آنس، وعنف فى نزع ما ألبس؛ فإنه لم يذقنا حلاوة الاجتماع، حتى جرّعنا مرارة الفراق، ولم يمتعنا بأنس الالتقاء، حتى غادرنا رهن التلهّف والاشتياق، والحمد لله تعالى على كل حال يسىء ويسر، ويحلو ويمر، ولا أيأس من روح الله فى إباحة صنع يجعل ربعه مناخى «٢» ، ويقصّر مدة البعاد والتراخى، فألاحظ الزمان بعين راض، ويقبل إلىّ حظّى بعد إعراض، وأستأنف بعزّته عيشا سابغ الذيول والأعطاف، رقيق المعانى والأوصاف، عذب الموارد والمناهل، مأمون الآفات والغوائل.
وله فصل: أنا أسأل الله تعالى أن يردّ على برد العيش الذى فقدته، وفسحة السرور الذى عهدته؛ فيقصر من الفراق أمده، ويعلو للالتقاء حكمه ويده، ويرجع ذلك العهد الذى رقّت غلائله، وصفت من الأقذاء مناهله، فلم أتهنّأ بعده بأنس مقيم، ولا تعلّقت يوما إلا بعيش بهيم.
فلو ترجع الأيام بينى وبينه ... بذى الأثل صيفا مثل صيفى ومربعى
أشدّ بأعناق النوى بعد هذه ... مرائر إن جاذبتها لم تقطّع
وما على الله بعزيز أن يقرّب بعيدا، ويهب طالعا سعيدا، ويسهّل عسيرا، ويفكّ من رقّ الاشتياق أسيرا.