وقال بعض أهل العلم: ينظر في ذلك إلى القرائن؛ قرائن الأحوال، فإذا كان الوكيل بالخصومة في بلد غير الموكل فهنا القرينة تقتضي أن يقبض؛ لأن الموكل ليس حاضرًا حتى يقال: إن الموكل هو الذي يقبض، وقد جرت العادة أن مثل هذا؛ يعني: أن الوكيل في الخصومة يقبض إلا إذا نهاه قال: أنت وكيلي في الخصومة، ولكن لا تقبض شيئًا، فهنا لا يقبضه على كل حال.
وحينئذٍ نقول على القول الراجح: لا تخلو المسألة أيضًا من ثلاث حالات؛ إما أن يقول: أنت وكيلي في الخصومة والقبض، فالأمر واضح؛ يعني: يملك الخصومة والقبض، وإما أن يقول: أنت وكيلي في الخصومة لا في القبض، فهذا أيضًا واضح، يكون وكيلًا في الخصومة ولا يقبض، وإما أن يسكت، فالمؤلف يرى أنه لا يقبض، والراجح أنه يرجع في ذلك إلى القرائن؛ إلى قرائن الأحوال، فإن دلت القرينة على أنه يقبض قبض، وإلا فلا. وإذا قلنا بهذا القول ولم يقبض صار مفرطًا، فيكون عليه الضمان.
(العكس بالعكس) الوكيل في القبض له أن يخاصم؛ يعني: لو قلت: يا فلان، أنت وكيلي، اقبض حقي من زيدٍ، له أن يخاصم إذا طلب الحق من زيد، وقال زيد: ليس عندي له شيء؛ أنكر، هنا نحتاج إلى الخصومة.
هل يملك الوكيل في القبض أن يخاصم؟
يقول المؤلف: نعم، التعليل: لأنه قد لا يتأتى القبض إلا بخصومة، فالخصومة قد تكون أحيانًا هي التي يتمكن بها من القبض؛ فلهذا إذا وكله في القبض فله أن يخاصم، هكذا قال المؤلف رحمه الله وأطلق.
ولكن في الإطلاق نظر؛ لأني قد أثق به في القبض، لكنني لا أعتمد عليه في الخصومة؛ لكونه رجلًا ضعيفًا لا يعرف أن يحاج ولا يعرف أن يخاصم، وصاحبي الذي أنا أطلب منه رجل قوي في الخصومة، فيقول له: اذهب، ما عندي لك شيء، ولا عندي لموكلك شيء، وإذا خاصمه غلبه؛ إذا خاصم وكيلي في القبض يغلبه، فهذا الذي قال المؤلف فيه نظر، بل نقول: إذا وكله في القبض فإنه لا يملك الخصومة، إلا إذا قال: وإن احتجت إلى خصومة فخاصم.