للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما أن نُضمِّن شخصًا ما لم يلتزمه مع أن العقد -حسب رأيه وحسب اعتقاده- عقد صحيح، فهذا فيه نظر. فالصواب إذن أنه يلزمه أجرة المثل، لكن إن كان مغرورًا فما زاد على الأجرة التي تم العقد عليها فعلى من غر.

إذا قدَّرْنا أن أجرة المثل أقل، مثلًا أجره بمئتين، وأجرة مثله مئة، فهل نلزمه بالمئتين؟ أو نقول: إن المئتين كانتا بعقد فاسد فلا عِبْرة بهما، ونرجع إلى أجْرة المثل وهي كم؟ وهي مئة. نقول: إن كان عالِمًا بأن الأجرة فاسدة ألزمناه بمئتين؛ لأنه دخل على بصيرة، ثم ما زاد على أجرة المثل يكون لهذا الغلام؛ لأنه مظلوم، ولا يكون للذي أجَّره؛ لأن الذي أجره لا يملكه فليس له شيء، وإن كان غير عالم، إن كان غير عالم فعليه أن يضمن لهذا الحر ما وقع عليه العقد؛ لأنه رضي به واعتبره صحيحًا فيُلزم بما ظنه، وإذا مثلًا رأى القاضي أن يأخذ الزيادة هذه، ويصرفها في بيت المال فلا حرَج عليه؛ لأنه مال -في الحقيقة- ليس خالصًا لمن استحق، وما اشتُبه فيه فإنه يُلحق إلى بيت المال، وإن كانت أجرة المثل بمقدار ما وقع عليه العقد فلا إشكال؛ لأنه ليس فيه زيادة وليس فيه نقص.

والخلاصة أن كل من تسلَّم عينًا بإجارة فاسدة فإنه لا عِبرة بما حصل عليه العقد، تُفسخ الإجارة، ويرجع إلى أجرة المثل، فإن كانت أجرة المثل مساوية لما وقع عليه العقد، فلا إشكال، وإن كانت أجرة المثل أكثر ألزمنا المستأجر بها، ثم إن كان عالِمًا فالزيادة عليه، وإن كان جاهلًا مغرورًا فالزيادة على من غر، وإن كانت أجرة المثل أقل، فإن كان عالِمًا ألزمناه بما التزم به؛ لأنه دخل على بصيرة، يعلم أن العقد فاسد، والتزم الزيادة على أجرة المثل، وإن كان جاهلًا لم يلزمه أكثر من أجرة المثل، وإن رأى القاضي قضاءً أن يلزمه بما التزم به ولو كان جاهلًا، ولكن يجعل في بيت المال؛ فلا حرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>