ومنهم من قال: إنها تجوز بعِوض؛ لأن السَّبْق على الأقدام يُنتفع به في الحرب، في الكر والفر، فهو مفيد، لكن هذا الاحتمال يرد عليه أننا لو أجزنا العِوض في هذه الأشياء لكانت سببًا للتجارة؛ بمعنى أن الناس يتجرون بها؛ لأنها سهلة المؤونة، ولا تحتاج إلى اقتناء فرس أو إصلاح رُمح أو ما أشبه ذلك، فتُتخذ تجارة، وينشغل الناس بها عن أمور أهم منها، فهذه المصلحة التي قد يتوقعها الإنسان مع العدو مُعارَضة بالمفسدة، وهي أن ينكب الناس عليها، ثم يتخذونها تجارة، وهذا المانع مانع قوي.
فإن قال قائل: وأيضًا السبق على الخيل الآن يتخذونه تجارة، أليس كذلك؟ فهو الآن يتخذ تجارة ومنفعته في الحرب في الوقت الحاضر قليلة، فيلزم على اطراد القاعدة أن تمنعوا من ذلك؛ أي من المسابقة على الخيل بالعِوض؛ لأن الناس اتخذوها تجارة.
فنقول: هذا ينبني على قاعدة ذكرها العلماء رحمهم الله وهي: إذا نص الشرع على شيء ذي فائدة في وقت الشرع؛ يعني في وقت الرسالة، ثم عُدِمت منفعته التي تكون في وقت الرسالة، فهل نتبع المعنى أو نتبع اللفظ؟
العلماء يختلفون في هذا، ومن ذلك الشعير في زكاة الفطر، الأقط في زكاة الفطر منصوص عليهما، أليس كذلك؟ وهما في ذلك الوقت قوت للناس سواء كانوا في البادية أو في الحاضرة، في الوقت الحاضر ليست قوتًا، فهل نتبع اللفظ ونقول: هذا شيء عيَّنه الشرع فهو مُجزِئ سواء كان قوتًا للناس أو لا؟
أو نقول: إذا أصبح واحد من هذه الأربعة غير قوت فإنه لا يُجزئ؟ فيه احتمال واحتمال، لكن الاحتمال الأخير بالنسبة للفطرة أصح؛ لأنه ثبت في البخاري من حديث أبي سعيد: كنا نُخرجها صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذٍ التمر، والشعير، والزبيب، والأقط (٥). فهذا صريح أن العلة هو الطعام، وكما قال عبد الله بن عباس: فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طُهْرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعْمة للمساكين (٦).