لكن الآن نحن في مسألة الخيل، الخيل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أنها آلة عظيمة فعَّالة في الحرب، هي في الوقْت الحاضر ليست كذلك، هي في الوقت الحاضر تجارة يحصل السبق بها تجارة، فهل نقول: لما فُقِدت العِلَّة التي من أجلها جاز السَّبَق يجب أن يفقد الحكم، أو نقول: نأخذ بظاهر اللفظ، ولا علينا من العِلَّة تخلفت أو وُجِدت؟ فيه احتمال.
ذكر المؤلف عن شروط المسابقة .. سبق لنا البارحة أن ذكرنا أن بعض العلماء قال: إنه لا يجوز السبَق في هذه الثلاثة إلا بمحلل، وبينا أن هذا القول ضعيف جدًّا.
أولًا: لضعف الحديث الوارد فيه، فالحديث ليس بحجة.
ثانيًا: أن هذا حِيلة؛ لأنه إن جاز أخْذ العِوض بلا مُحلِّل فلا حاجة للمُحلِّل، وإن كان حرامًا صار إدخال المحلِّل من أجل استحلال الحرام، والحيل ممنوعة شرعًا.
ثالثًا: وأيضًا المحلِّل الآن سيُشاركهم في المسابقة، ومع ذلك هو غانم على كل حال أو سالم، فيكون شاركهما في الفعل وخالَفهما في الحُكم والنتيجة، وهذا ليس من العدْل، والمسابقة مبناها على العدل، أتدرون أن المحلل إذا سبق أخذ العوضين من الاثنين، وإن سُبِق لم يأخذ شيئًا، ولم يُؤخذ منه شيء، هذا خلاف العدْل، فكيف يكون مشاركًا لهما في العمل، ثم يخالفهما في النتيجة والثمرة؟ ! الصواب أن المحلِّل ليس بشرط.
فإذا قال قائل: إن هذا من باب الميسر؛ لأن أحدهما إما غانم وإما غارم؟
قلنا: نعم، هو من باب الميسر، لكن مفسدة الميسر فيه مُنغمِرة في جانب المصلحة، والشرع كله حول المصالح؛ يعني كل الشريعة مصالح؛ إما غالبة، وإما متمحِّضة.
قال:(ولا بد من تعيين المركوبين) يعني اللذين يقع عليهما السبْق، فتقول مثلًا: أسابقك على هذا الجمل، والثاني يقول: أسابقك على هذا الجمل، أو يقول: أسابقك على هذا الفرس، والثاني يقول: أسابقك على هذا الفرس، فلو قال: أسابقك على فرس بدون تعيين؛ لم تصح، لا بد من تعيين الفرسين أو الجملين مثلًا.