وتصور ذلك أن يكون جاره عنده ضيوف، فيقول: أنا عندي ضيوف يحتاجون إلى أن نُقدِّم لهم طعامًا متنوعًا، فيقول: نعم، أنا عندي طعام متنوع أُعيرك إياه، فيُقال: هذا إذا دلَّت القرينة على أنه لا يريد عوضًا فهو هبة وهدية، وإن دلت القرينة على أنه يريد العِوض فهو بيْع، كأنه يقول: ما أُكِل فهو عليك بكذا بقيمته، وما لم يُؤكل فهو يُرد إليه، وهذا يقع كثيرًا عند أهل المطاعم، يُقدِّمون أطعمة مُتنوِّعة يصفها صاحب البيت أمام الضيوف، فما أُكِل منها فهو بحسابه، وما لم يُؤكل فإنه يَرُدُّه عليه، وهذا -وإن كان فيه نوع من الغرر والجهالة- لكنه يُتسامح فيه عادة، المهم أنه لا بد أن تبقى العين بعد استيفاء المنفعة.
مثال ذلك: الماعون -الإناء- هذا يمكن أن ينتفع به الإنسان مع بقائه، القلم؛ يمكن أن ينتفع به مع بقائه، ولا يضر إذا كان فيه شيء من الحبر؛ لأن هذا يعتبر تبعًا لا يُؤثِّر، وإلا من المعلوم أنه إذا أعطاه قلمًا مملوءًا بالحبر، فسوف يفنى هذا الحبر بالكتابة به، لكن هذا شيء لا يُؤبه له.
السيارة تبقى بعد استيفائه، وما استُهلك من البنزين اللي فيها حين العارية فهو تبع، لا يُقال: إن هذا لا يُنتفع به إلا بعد استهلاكه.
وقوله:(إباحة عين) لا بد أن يكون الْمُبيح جائز التبرع، أو جائز التصرف؟ جائز التبرع؛ بحيث إنه يملك أن يُهدي من ماله، وأن يهب من ماله، وأن يتصدق من ماله، فإن كان غير جائز التبرع لم تصِح منه العاريَّة، كولي اليتيم مثلًا فإنه لا يصح أن يُعير مال اليتيم؛ لأنه لا يصح أن يتبرع به، والإعارة تبرع بالنفع.
نعم، لو فرض أن اليتيم مراهق قريبًا أن يبلغ، وهو يحب البذل والعطاء، واستأذنه في أن يُعير متاعه، ففرح بذلك وسُرَّ به، فهنا نقول: لا بأس أن يُعير متاع هذا اليتيم؛ لأن في هذا إدخال السرور على اليتيم.