إذن المزمار من آلات العزف التي لا تُباح بحال، وعلى هذا فيجب إتلافه، فإذا أتلفه متلِف لم يكن عليه ضمان، ولكن من الذي يُخاطَب في إتلافه؟ يُخاطَب في إتلافه من هو بيده، من هو بيده هو الذي يخاطب بإتلافه، ويقال: يجب عليك أن تُكسِّر هذا. فإن قال: أُحرقه أو أُكسِّره؟ قلنا: إن كانت مادته يمكن أن يُنتفَع بها في شيء مباح فلا تحرقه؛ يعني بحيث نحولها إلى صندوق من خشب أو ما أشبه ذلك، فلا تتلفه؛ لأن هذا إنما حرم لا لأنه خشب، لكن لكونه استُعمل في حرام، فإذا كان يمكن أن يُحوَّل إلى حلال فإنه لا يجوز أن يُكسَّر؛ لأن في ذلك إتلاف مال، وأما إذا كان لا يمكن الانتفاع به فإنه يُحرق؛ لأن إحراقه أبلغ في التنفير عنه، ولئلا تدعوه نفسه فيما بعد إلى جمع المكسرات بعضها إلى بعض حتى يُكوِّن منها مزمارًا.
ويدلنا على أن التحريق أبلغ وأنكى أن الرسول عليه الصلاة والسلام حرَّق نخل بني النضير ولم يُقطِّعها، مع أنه يمكن أن تُقطَّع وينتفع بنبوعها وينتفع برماحها وأوراقها، لكنه حرَّقها؛ لأنه أبلغ في الإهانة.
طيب، إذن نُخاطب مَنْ؟ من هي بيده، ثم يجب على ولاة الأمور أن يُكسِّروها ويتلفوها؛ لأنهم مسؤولون عن الأمة في هذا الشيء، وهم قادرون على أن يُكسِّروها، وليسوا عاجزين، فيلزمهم أن يُكسِّروها لئلا يشيع المنكر في أمتهم، وهم إذا اتقوا الله تعالى في الأمة اتقت الأمة ربها فيهم، وإذا كان الأمر بالعكس صار الأمر بالعكس؛ لأن من أذل الخلق في طاعة الله أعزه الله بهذه الطاعة، وهذا شيء مُسلَّم؛ لذلك يجب على ولاة الأمور أن يكسروا هذه الآلات، أن يكسروها؛ لأنها ضرر على المجتمع عامة، وعلى الأمن، وعلى الولاة أيضًا؛ لأن النفوس إذا أبعدت عن الخالق لم ترحم المخلوق، وهذه الأشياء تُبعد الخلق عن الخالق؛ لأنها تلهي، وتصد عن سبيل الله، وعن ذكر الله، وعن الصلاة.
ثالثًا: هل يجب على الواحد من الناس أن يكسر هذه المزامير؟