للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نظير ذلك في الأعيان إذا ألقى الإنسان متاعه زاهدًا فيه وراغبًا عنه لا يريده، فهو لمن وجده، كما في حديث جابر رضي الله عنه أنه كان على جمل له فأعيا، فأراد أن يسيبه (٩)، لو سيبه جابر ووجده آخر فهو له.

وكذلك ما يُلْقَى في البحر عند خوف غرق السفينة فإن من وجده فهو له؛ وذلك لأن الذي ألقاه قد تخلى عنه ولم يرد أن يكون ملكًا له.

كذلك الأراضي -كما قلت لكم- الأراضي أراضي القرى البائدة التي من قديم الزمان هذه أيضًا من أحياها ملكها؛ ولهذا الآن يوجد في بعض الأراضي التي تحيا يوجد فيها آثار إحياء سابقة، حتى إنه عندنا هنا قريب من الوادي عثروا مرة على سوق كله رماد وقطع حديد، مما يدل على أن هذا السوق كان سوق الصناع في هذا المكان، لكنه باد وذهب أهله ولم يعرف له مالك، فهذه تدخل في كلام المؤلف في قوله: (ملك معصوم)؛ لأن هذه الأراضي البائدة الآن ليس لها مالك فتدخل، هذا هو تعريف الأرض الموات.

والشح في الأراضي شديد؛ عقابه شديد، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» (١٠) يُطَوَّق: يُجْعَل طوق في عنقه من سبع أرضين، ما هو من أرض واحدة؛ لأنه ظَلَمَ، حتى إن العلماء رحمهم الله قالوا: لا يجوز للإنسان أن يزيد في تلييس الجدار أكثر مما جرت به العادة؛ وذلك لأنه يأخذ بالزيادة هذه أيش؟

طالب: ( ... ).

الشيخ: نعم، يأخذ من السوق، والسوق مشترك، إلى هذا الحد حذروا العلماء رحمهم الله من التعدي على الأرض، لكن على كل حال إذا وجدنا أرضًا منفكة عن الاختصاصات وملك معصوم فمن أحياها ملكها؛ ولهذا قال المؤلف: (فمن أحياها ملكها) (مَنْ) شرطية، وفي أصول الفقه أن أسماء الشرط من صيغ العموم، إذن فتعم كل من أحياها، وسيأتي -إن شاء الله- بيان الإحياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>