للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن هل الأفضل أن يلتقطه، أو الأفضل ألَّا يلتقطه؟ أو نقول: يحرُم عليه أن يلتقطه؟

يقول المؤلف: يحرُم عليه إذا لم يأمن نفسه على ذلك، إن كان لا يأمن نفسه أنه لو أخذه أنفقه إن كانت دراهم، أو ذبحه إن كانت شاة، فإنه يحرُم عليه أخذه، ويكون حكمه حكم الغاصب.

أما إذا كان يعرف من نفسه أنه قادر على إنشاد الضالة، فهنا نقول: فيه تفصيل؛ إن كان له قوة وقدرة على التعريف فالأفضل أخذها، وإن كان يخشى ألَّا يقدر، أو أن يشق عليه فالأفضل تركُها.

وعلى هذا فقوله: (له) اللام للإباحة التي في مقابل المنع، وإلا فإنه قد يكون الأفضل تركها، وقد يكون الأفضل أخذها.

(وله التقاط غير ذلك من حيوان وغيره إن أمن نفسه على ذلك، وإلا) أي: وإلّا يأمن نفسه على ذلك (فهو كغاصب).

وظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- أنه لا فرق بين لقطة مكة وغيرها؛ لأنه لم يُفَصِّل، وهذا هو المشهور من المذهب.

والصحيح أن لقطة مكة لا تحلُّ إلا لمنشِدٍ، إلا لمن يريد أن يعرِّفها مدى الدهر، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ» (١٠)، وهذا من خصائص الحرَم.

والحكمة في ذلك أنه إذا علم الإنسان أنه لا يحل له التقاط لقطة الحرَم إلا إذا كان مستعدًّا لإنشادها دائمًا فإنه سوف يدعها، وإذا كان هذا يدعها والآخر يدعها ومَن بعده يدعها، بقيت في مكانها حتى يجدها ربها، وهذا -أعني القول بأن لقطة مكة ليست كغيرها- هو القول الراجح، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وعليه يدل الحديث.

لكن إذا خاف الإنسان أن يأخذها مَن لا يُعَرِّفها فهنا نقول: إما أن يجب أخذها، وإما أن يُبَاح، وماذا يصنع بها؟ نقول: يعرِّفها دائمًا وأبدًا، فإن شقَّ عليه ذلك فالأمر -والحمد لله- واسع، فيه محاكم شرعية تتلقى مثل هذا، فليأخذها وليدفعها للحاكم، وهو إذا أخذها ودفعها للحاكم -يعني للقاضي- برئت بذلك ذمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>