وقوله:(عند (قد) من إقامتها، وتسوية الصف)؛ يعني تسن تسوية الصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بذلك، فيقول:«سَوُّوا صُفُوفَكُمْ»(٦) ويرشد أصحابه لهذا حتى فهموا ذلك عنه وعقلوه عقلًا جيدًا، وفي يوم من الأيام خرج عليه الصلاة والسلام وأُقيمت الصلاة فالتفت، فإذا رجل قد بدا صدره فقال:«عِبَادَ اللَّهِ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»(٧).
«لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ» اللام هذه موطئة للقسم، وتقدير الكلام: والله لتسون، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، وهي: القسم، واللام والنون «لَتُسَوُّنَّ»، وهي خبر فيه تحذير؛ لأنه قال:«لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ»، أي: بين وجهات نظركم حتى تختلف القلوب، وهذا -بلا شك- وعيد على من ترك التسوية.
ولهذا ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب تسوية الصف، واستدلوا لذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم به وتوعده على مخالفته، وشيء يأتي الأمر به ويُتوعَّد على مخالفته لا يمكن أن يُقال: إنه سُنَّة فقط، ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة وجوب تسوية الصف، وأن الجماعة إذا لم يُسوّوا الصف فهم آثمون، وهذا هو ظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ولكن هل إذا خالفوا فلم يسووا الصف تبطل صلاتهم؛ لأنهم تركوا واجبًا؟
فيه احتمال، قد يقال: إنها تبطل؛ لأنهم تركوا الواجب، ولكن احتمال عدم البطلان مع الإثم أقوى، أنهم يأثمون ولكن لا تبطل صلاتهم؛ لأن التسوية واجب للصلاة لا واجب فيها؛ يعني هو خارج عن هيئتها والواجب للصلاة يأثم الإنسان بتركه، ولا تبطل الصلاة به كالأذان مثلًا واجب للصلاة، ولا تبطل الصلاة به.
ثم إن تسوية الصف تكون بالتساوي بحيث لا يتقدم أحد على أحد، وهل المعتبر مُقدَّم الرِّجل؟