الثاني: أن من الأطباء من يكون داعية لدِينه وهو كافر، وإذا كان داعية لدينه هل يمكن أن يُغرِّر بالمسلم؟ لا يمكن؛ لأنه يريد أن يمدحه الناس، وأن يحبوه، وأن يحترموه؛ لأنه ناصح.
فالصواب في هذه المسألة أن المعتبَر حذق الطبيب والثقة بقوله، ولو كان غير مسلم، فإذا قال طبيب حاذق: هذا المرض مخوف، يُتوقع منه الموت، فإننا نعمل بقوله، ونقول: إن المريض بهذا المرض عطاياه من الثلث ولَّا من رأس المال؟ من الثلث.
ومن وقع الطاعون ببلده، فهو كالمريض مرضًا مخوفًا؛ لأن الطاعون أجارنا الله وإياكم والمسلمين منه، الطاعون إذا وقع في أرض انتشر بسرعة، لكن مع ذلك قد ينجو منه من شاء الله نجاته، إنما الأصل فيه أنه ينتشر، كل إنسان في البلد التي وقع فيها الطاعون يتوقع أن يُصاب به بين عشية وضحاها، فعطاياه في حكم عطايا المريض.
الطاعون قيل: إنه نوع معين من المرض يؤدي إلى الهلاك، وقيل: إن الطاعون كل مرض فتَّاك منتشر فهو طاعون، مثلًا الكوليرا، المعروف أنها إذا وقعت في أرض فإنها تنتشر بسرعة، الحمى الشوكية وغيرها من الأمراض التي يعرفها الأطباء، ونجهل كثيرًا منها، فهذه الأمراض التي تنتشر بسرعة، وتؤدي إلى الهلاك يصح أن نقول: إنها طاعون حقيقة أو حكمًا.
هذا عطاياه، أي عطايا الصحيح الذي وقع الطاعون في بلده من أين؟ من الثلث ولَّا من رأس المال؟
طلبة: من الثلث.
الشيخ: من الثلث. طيب بالنسبة للطاعون هل يجوز للإنسان أن يخرج من البلد إذا وقع فيه؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا تَخْرُجُوا مِنْهُ -أي من البلد الذي وقع فيه- فِرَارًا مِنْهُ»(١٧). فقيد النبي صلى الله عليه وسلم منع الخروج بما إذا كان فرارًا، أما إذا كان الإنسان له غرض جاء لهذا البلد بتجارة وانتهت تجارته، وأراد يرجع إلى بلده فلا نقول: هذا حرام عليك، لا نقول هذا، نقول: لك أن تذهب.
بقي علينا هل نأذن له أن يذهب إذا خِيفَ أن الوباء أصابه؟ أجيبوا.