ارتحل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، وفي أثناء الطريق قيل له: إنه قد وقع فيها الطاعون، وهو طاعون عظيم، مات فيه خَلْق كثير في أثناء الطريق، عمر رضي الله عنه ليس عنده أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، لكنه عنده عقل كأنه قال: كيف نقدم على أرض فيها هذا الوباء الْمُعدِي الفتاك، وكان من عادته رضي الله عنه أنه إذا أشكل عليه الأمر يجمع الصحابة ويستشيرهم، جَمَعَ الصحابة واختلفوا، ثم جمع المهاجرين، ثم الأولين من المهاجرين وكان الرأي الذي استقر عليه رأي المهاجرين الأولين أن يرجعوا، وقال: يا أمير المؤمنين، معك المجاهدون، معك المسلمون كيف تقدم إلى هذه الأرض؟ ارجع. فقرر الرجوع بمشورة الصحابة رضي الله عنهم، وأمر بالارتحال، فجاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«إِنَّهُ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ»(١٨). وقال فيه عمر حين طُعِن: لو كان أبو عبيدة حيًّا لجعلته خليفة؛ لأن الرسول قال:«هُوَ أَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ». قال: يا أمير المؤمنين، كيف تقرر الرحيل؟ أفرارًا من قدر الله؟ !
خفي على أبي عبيدة رضي الله عنه بأن القدَر لم يقع حتى نفر منه، لكن لو أقدموا لكانوا هم الذين جاؤوا إلى القدر فخفي عليه، وقال: أفرارًا من قدَر الله؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! يعني أتمنى أن غيرك قالها؛ لأن منزلة أبي عبيدة عند أمير المؤمنين عمر منزلة عالية، نحن نفر من قدَر الله إلى قدَر الله. من قدَر الله الذي نُلقي بأيدينا إلى التهلكة لو قدمنا عليه إلى قدَر الله الذي نسلم به.
وهذا واضح إن مضو إلى الشام بقدر الله، وإن رجعوا بقدر الله، ثم ضرب له مثلًا، أن لو كان له إبل في وادٍ له عِدوتان، واحدة مخصبة، والثانية مجدبة إلى أين يذهب؟