كيف تُقَرِّر الرحيل؟ ! أفرارًا من قَدَرِ الله؟ ! خفي على أبي عبيدة رضي الله عنه بأن القَدَر لم يقع حتى نفر منه، لكن لو أقدموا لكانوا هم الذي جاؤوا للقدر، فخفي عليه وقال: أفرارًا من قدر الله؟ قال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! يعني: أتمنى أن غيرك قالها؛ لأن منزلة أبي عبيدة عند أمير المؤمنين عمر منزلة عالية، نحن نفر من قدر الله إلى قدر الله، من قدر الله الذي نُلقي بأيدينا إلى التهلكة لو قدمنا عليه إلى قدر الله الذي نَسْلَم به.
وهذا واضح؛ إن مَضَوْا إلى الشام بقدر الله، وإن رجعوا بقدر الله، ثم ضرب لهم مثلًا؛ قال: لو كان له إبل في وادٍ له عُدوتان واحدة مُخْصبة والثانية مجدبة، إلى أن يذهب؟
طلبة: إلى المخصبة.
الشيخ: إلى المخصبة، فقال له: أما تذهب إلى المخصبة؟ قال: بلى، قال: إذن إن ذهبت إلى المخصبة فبقدر الله، وإلى المُجْدِبة فبقدر الله، لكن لن تختار المجدبة، إذن نحن كذلك، لا نختار القدوم على أرض الطاعون فرجعوا، والحمد لله، ووفقوا للصواب.
في أثناء ذلك أتى عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان قد تغيب في حاجة له، فبلغه الخبر، فجاء إلى عمر فقال: يا أمير المؤمنين: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهَا فِرَارًا مِنْهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ» أيضًا اللفظ الآخر: «لَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» فقال: الحمد لله (١).
شوف الآن كل الصحابة ما سمعوا هذا الحديث إلا عبد الرحمن بن عوف، لكن الحمد لله الشريعة محفوظة لا يمكن أن تَخْبو.
كلُّ ما صدَر من الرسول عليه الصلاة والسلام من شريعة الله فهو محفوظ؛ كما قال عز وجل:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
إذن إذا وقع الطاعون في أرض فإننا منهيُّون أن نخرج منها فرارًا منه، وإذا وقع في أرض فإننا منهيُّون أن نقدم على هذه الأرض.