للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: (يُسَنّ لمن ترك خيرًا -وهو المال الكثير- أن يوصي بالْخُمْس)، والْخُمس واحد من خمسة، وإنما قال المؤلف: (لمن ترك خيرا) لمطابقة الآية {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: ١٨٠]، ولمن تكون الوصية؟ تكون للأقارب غير الوارثين.

دليل ذلك هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}، والآية كما سمعتم الوالدين والأقربين، فهي عامة في الوارث وغير الوارث.

نقول: هذه الآية مُخَصَّصَة بآيات المواريث؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (٢)، فيكون هذا العموم {لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} يكون مخصوصًا بآيات المواريث، وقد بَيَّنَ التخصيص محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: «إِنَّ اللهَ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».

فإن قال قائل: هل يمكن أن يكون الوالدان غير وارثين؟ يمكن أن يكونَا غير وارثين، كما لو كانَا كافِرَيْنِ والولد مسلم، فإنه يوصي لهما؛ لقول الله تبارك وتعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥].

وقول المؤلف: (يُسَنّ) صريح في أن الوصية للأقارب غير الوارثين ليست واجبة، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وقالوا: إن آيات المواريث نَسَخَت الآية، أعني قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة: ١٨٠].

فأكثر العلماء على أن آية المواريث ناسخة لهذه الآية، وأنه لا يُعْمَل بأي حرف منها؛ لأنها منسوخة، والنسخ رفع الحكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>