ولكن أبى ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنه، فقال: إن الآية مُحْكَمَة، وإن الوصية واجبة للأقارب غير الوارثين، وما ذهب إليه أقرب إلى الصواب.
فإن قال قائل: إن الله يقول: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}[النساء: ١٢]، ويقول:{لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}[النساء: ١١]، والسدس إذا أُخِذَت الوصية الْخُمُس لم يكن سدسًا، يكون سدسًا إلا خُمُسًا، فيقال: إن الله بَيَّنَ فقال: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١١]، و {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢] و {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢]، و {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء: ١٢]، الآيات صريحة أن هذه القسمة بعد؟ بعد الوصية.
وحينئذ إذا عدنا إلى الآية:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}[البقرة: ١٨٠]{كُتِبَ} أي: فُرِضَ، وإسقاط هذا الفرض يحتاج إلى دليل بَيِّن.
أيضًا {حَقًّا}، يعني: أُحِقُّ هذا حقًّا وأثبته إثباتًا، وأيضًا {عَلَى الْمُتَّقِينَ}، أي: على ذوي التقوى، وهذا يدل على أن الوصية من التقوى، ومخالفة التقوى حرام.
ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أن الوصية للأقارب غير الوارثين واجبة؛ لأن الآية صريحة، والنسخ ليس بالأمر الهين أن يُدَّعَى مع هذه الصراحة، ومع إمكان الجمع بين هذه وآية المواريث، ويش الجمع؟ الجمع أن آية المواريث صريحة في أنها من بعد الوصية، وكيف نلغي هذه الأوصاف العظيمة، (كتب، حق، على المتقين)، مع إمكان العمل بالآيتين آية المواريث وهذه الآية، فالصحيح أن آية الوصية مُحْكَمَة وأنه يجب العمل بها.