من جهة المنقول قال: إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}[الطلاق: ١] وطلاق الرجعية ليس طلاقًا للعِدَّة.
وأنا أضرب لكم مثلًا يتبيَّن به الأمر: إنسانٌ طلَّق زوجتَه طلاقًا رجعيًّا، كم عِدَّتها؟
الطلبة: ثلاثة قروء.
الشيخ: ثلاث حِيَض. حاضت الأولى، وحاضت الثانية، وقبل أن تحيض الثالثة قال: أنتِ طالق، فهل تستأنف العِدَّة ونقول: تعتدُّ حيضةً ثم حيضةً ثم حيضةً، أو تبني على الحيضةِ الأولى؟
طالب: تستأنف من جديد.
الشيخ: إي نعم، مقتضى قولنا: إنه يقع عليها الطلاق، أنْ تستأنف من جديد، لكنهم يقولون: لا، ما تستأنف، تبني على ما سبق، وعلى هذا فلا تحيض في الطلاق الثاني في المثال اللي قُلنا؟
طالب: إلا حيضة واحدة.
الشيخ: إلا حيضة واحدة، ولو كان الطلاق هنا طلاقًا للعِدَّة لوجب أن تحيض كم؟
طالب: ثلاثًا.
الشيخ: ثلاث مرات، فلمَّا لم تُوجبوا عليها -نقول للذين قالوا: إن الطلاق يقع على الرجعية- نقول: فلمَّا لم توجبوا عليها إعادةَ الحيض علِمْنا أنها لم تُطلَّق للعِدَّة، والله عز وجل يقول:{طَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}، فإذا طلَّق في هذه الحال وقُلتم: إنها لا تستأنف العِدَّة، فقد حكمتم بأنها لم تُطَلَّق أيش؟ للعدة، وحينئذٍ يكون هذا الطلاق ليس عليه أمْر اللهِ ورسولِه، فيدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(١٣)، وهذه حُجَّةٌ قويةٌ لا محيد عنها.
ولهذا كان الراجح في هذه المسألة قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنَّ الرجعية لا يقع عليها طلاقٌ؛ لأنها توصَف الآن بأنها مُطَلَّقة، كيف يُطلِّقها وهي مُطَلَّقة قد انحلَّ قيد نكاحها.