للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما إذا كان في يابس، والجلد يابس فإنه لا يتنجس به؛ لأن النجاسة ما يتعدَّى حكمها إلا إذا تعدَّى أثرها، فإذا لم يتعدَّ أثرُها فإن حكمَها لا يتعدَّى، ولهذا عند العامة كلمة حقيقية، يقولون: (ليس بين اليابسين نجاسة)؛ يعني: إذا تلاقى نجسان وهما يابسان فإن النجاسة لا تنتقل إلى الطاهر.

وقوله: (يُباحُ استعمالُه بعد الدبغ في يابس) إذا قلنا بالقول الراجح الصحيح: إنه يَطْهُر بالدباغ؛ فإنه يباح استعماله في اليابس وفي الرطب.

ويدلُّ لذلك أنَّ الرَّسول توضَّأ هو وأصحابه من مَزَادَةِ امرأة مشركة (١٢)، وذبائح المشركين نجسة، فتوضأ النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه من هذه المزادة يدل على أنه يباح استعماله في الرطب؛ لأنه يكون طاهرًا.

نائب الفاعل هو (استعمال)، لكن من الضمير في (استعمال)، يعني استعمال الجلد حال كونه من حيوان طاهر في الحياة، لأنه يباح استعماله في اليابس.

أفادنا المؤلف هنا أن الذي يباح استعمالُه بعد الدبغ في اليابس، إذا كان من حيوان طاهر في الحياة، ما هو الطاهر في الحياة؟

أولًا: كل مأكول فإنه طاهر في الحياة، مثل إبل، بقر، غنم، ضبع، ظباء، وما أشبهها.

ثانيًا: على المذهب؛ كل حيوان من الهر فأقل خلقة فإنه طاهر في الحياة؛ مثل الهرة طاهرة في الحياة؛ لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّها لَيْسَتْ بِنَجِسٍ؛ إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ» (٢٢).

ثالثًا: كل شيء ليس له نفس سائلة؛ يعني: دم، كل شيء ليس له دم يسيل إذا ذُبِحَ أو قتل فإنه طاهر، هذا الحيوان الطاهر.

رابعًا: الآدمي، لكن الآدمي هنا غير وارد؛ لأن استعمال جلد الآدمي مُحَرَّم لا لنجاسته ولكن لحرمته.

إذن لو دَبَغ الإنسان جلدَ فأرة أو جلد هِرَّةٍ هل يَطْهُر، على المذهب؟ لا يطهر، ما هنا شيء يَطْهُر على المذهب، لكن يُباح استعمالُه في اليابس، وعلى القول الثاني يَطْهُر، فيباح استعماله في اليابسات والمائعات.

<<  <  ج: ص:  >  >>