والقول الثاني أنه إذا ملكها من امرأة لم يجب عليه استبراؤها؛ لأن الاستبراء إنما هو لطلب براءة الرحم، وهنا لا حاجة إليه.
لو ملكها رجل، لكن الرجل قال له: إنه لم يجامعها، أو قال: إنه استبرأها بحيضة قبل البيع، فهل يستبرؤها المشتري أو لا؟
إذا كان البائع غير ثقة فإنه يجب على المشتري استبراؤها؛ لأنه لا يثق من قول البائع، وأما إذا كان البائع ثقة يخاف الله عز وجل وقال للمشتري: إنه استبرأها، أو قال للمشتري: إنه لم يجامعها فالمذهب يجب استبراؤها.
والقول الثاني: لا يجب، وهو الراجح؛ لأن المقصود من الاستبراء أيش؟ العلم ببراءة الرحم، وهنا نعلم أنه ليس بها حمل؛ لأن الرجل الذي باعها أخبر بأنه استبرأها أو أخبر بأنه لم يجامعها، ونحن نثق بقوله، فلا استبراء.
يقول رحمه الله:(حرم عليه وطؤها ومقدماته) أما وطؤها فلا إشكال، وأما مقدماته فلسد الذريعة؛ سدًّا للذريعة، أتعرفون مقدمات الوطء؟ كالتقبيل، والغمز، والضم، وما أشبه ذلك، قالوا: يحرم عليه مقدمات الجماع؛ سدًّا للذريعة؛ لأنه ربما لا يملك نفسه، إذا قويت شهوته لا يملك أن يجامع.
ولكن الصواب أن مقدمات الجماع لا تحرم؛ لعموم قول الله تعالى:{إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}[المؤمنون: ٦]، وهذا مالك لليمين، وهذا يمين مالكه، لكن يمنع من الجماع خوفًا من أن يكون في بطنها حمل، فالصواب أن مقدماته لا تحرم.
نعم، لو فُرِضَ أن الرجل ضعيف العزيمة ويخشى على نفسه خشية محققة لو أنه أتى بمقدمات الجماع أن يجامعها، فحينئذٍ نمنعه، ويكون لكل مسألة حكمها.
فإن قال قائل: كيف لا تحرم مقدماته مع تحريم الوطء؟
نقول: هذا الحائض يحرم وطؤها ولا يحرم مقدمات الجماع، هذه الصائمة يحرم وطؤها ولا تحرم مقدمات الجماع؛ كالتقبيل، وما أشبه ذلك.