للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلو أرضعته في مكان واحد، وامتص الثدي، ثم أطلقه يتنفس، ثم عاد ورضع، ثم أطلقه ليتنفس، ثم عاد، خمس مرات ولكنها في جلسة واحدة، فهل يؤثر على هذا القول الأخير أو لا يؤثر؟ لا يؤثر.

فإذا قال لنا قائل: أيهما أرجح؛ المصات، أو الأنفاس، أو الوجبات؟

قلنا: الأصل عدم التأثير، ولا نتيقن التأثير إلا بخمس وجبات؛ لأن الأصل أنه لا يؤثر، فنأخذ بالاحتياط، والاحتياط ألَّا يؤثر إلا خمس وجبات، لا خمس مصات، ولا خمسة أنفاس، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، وهو ظاهر اختيار صاحب زاد المعاد ابن القيم، وهو الأحوط.

كيف الأحوط؟ نعم، الأحوط.

إذا قال قائل: لماذا لا نجعل الأقل هو الأحوط؟

قلنا: مشكل؛ إذا احتطنا من جهة أهملنا من جهة أخرى، مثلًا هذه طفلة رضعت خمس مصات، هل الأحوط أن نجعل المصات هي المحرمة أو الوجبات؟

قل: نجعل المصات إذا احتطنا، وقلنا: إن بنت المرضعة تكون أختًا للراضع، فيحرم عليه نكاحها، أتانا أمر آخر ضد هذا الاحتياط؛ وهي أننا إذا قلنا: إنها أخته لزم من ذلك أن يخلو بها، ويسافر بها، وتكشف وجهها له، والاحتياط ألَّا تفعل، وهي لا تفعل هذا إلا إذا قلنا: إن الرضاع غير مؤثر؛ لذلك لا تحتاط من جهة إلا أهملت من جهة أخرى، فنرجع إلى الأصل، ما هو الأصل؟ عدم التأثير؛ ولهذا كان اختيار شيخنا رحمه الله ومن قبله ابن القيم كان هو المتمشي على القواعد والأصول. إذن يُشْتَرط لكون الرضاع محرِّمًا أن يكون خمس رضعات.

وقالت الظاهرية: لا يُشْتَرط، ولا ثلاث أنفاس ولا شيء، مطلق الرضاع ولو كان نقطة يحرم؛ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] ولم يذكر عددًا.

فيُقَال: نعم، القرآن ليس فيه ذكر العدد، ولكن السنة فيها ذكر العدد، والسنة تبين القرآن وتفسره.

<<  <  ج: ص:  >  >>