الثاني: قصة سالم مولى حذيفة، كان حذيفة قد تبناه قبل أن يبطل التبني؛ يعني اتخذه ابنًا له وصار كأبنائهم تمامًا، يدخل البيت وزوجة حذيفة لا تحتجب عنه كأنه ابن تمامًا، لما أبطل الله التبني صار هذا –سالم- صار أجنبيًّا منها، من المرأة، فجاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتقول: إن سالمًا كان حذيفة قد تبناه، يدخل علينا ويخرج، ونكلمه، كل شيء، والآن بطل التبني {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}[الأحزاب: ٤] قال لها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ»(١)، وهو كبير يقضي الحوائج «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ»، قالوا: وهذا رضاع كبير، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤثِّر، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وعلى هذا فإذا كانت امرأة أحبت أن تكشف لهذا الرجل، قالت: تعالى يا ولد، أنا أرغب أن أفتش لك، وأن تخلو بي وأن أسافر معك، يلَّا ارضع، نعم، يبقى إشكال، يقول: كيف أرضع من ثديها وأنا لست مَحْرمًا لها؟ مشكلة، لو جعل يرضع من الثدي وله عشرون سنة تحصل فتنة لا شك، نقول: الحمد لله فيه مخرج، كل يوم تصلح له دلة حليب من ثديها خمسة أيام ( ... ) ولدًا لها، أليس كذلك؟
بل على كلام الظاهرية رحمهم الله مرة واحدة تكفي، هذا القول كما ترون فيه شبهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ» وهو كبير يقضي حاجاتهم، ولكن نقول: هذا الحديث يعارض المنطوق؛ لأن هذا حكم في قضية معينة، يعارض المنطوق، «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْبَتَ الْعَظْمَ أَوْ مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَكاَنَ قَبْلَ الْفِطَامِ»(٢) يعارضه، فيقال: هذا الحكم خاص فيمن حصل لها مثل هذه الحادثة، وبهذا تجتمع الأدلة، وهو أن يقال: هذا الحكم -قصة سالم- خاص بمن تحصل له هذه القضية، بقينا عاد، منعتوا الحكم، هل هو مجرد الحاجة أو لا بد أن تكون حاجة مماثلة لقصة سالم؟