فعلى هذا يكون الذين يسطون على البيوت وهم مسلحون من قُطَّاع الطريق، وهم -أي قطاع الطريق- بلا شك من المفسدين في الأرض؛ لأن من أعظم الفساد في الأرض إزالة أمن الناس وتخويفهم وإرعابهم، وهذا يؤدي إلى تعطيل مصالحهم الدينية والدنيوية، فالدينية مثلًا إذا أراد الإنسان أن يحج وهو يعلم أن في الطريق قطاع طريق، فهل يحج ولَّا ما يحج؟ ما يحج، فتتعطل المصالح الدينية، إذا أراد أن يضرب في الأرض يبتغي من فضل الله بالتجارة، وعلم أن في هذا الطريق قُطَّاعًا، فإنه أيضًا سوف يتعطل ولا يذهب، وحينئذ تتعطل مصالح الناس الدنيوية.
إذن فهم مفسدون في الأرض، ولهذا كان حَدُّهُم ما تسمعون إليه، إما قتل وصلب، وإما قتل بلا صلب، وإما قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، وإما نفيٌ من الأرض، وهو تشريدهم، فلا يُؤْوَوْنَ إلى بلد، يعني حدهم أربعة أنواع؛ إما قتل وصلب، وإما قتل بلا صلب، وإما قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى، وإما نفي من الأرض، أربعة أنواع.
وهذه الأربعة أولًا يُجْمَع لهم بين القتل والصلب، لكن متى يكون الصلب، هل هو قبل القتل، ولَّا بعد القتل وقبل التغسيل والتكفين، وإلا بعد التغسيل والتكفين والصلاة وقبل الدفن، كل هذه آراء لأهل العلم، منهم من يقول: إن الصلب يكون وهم أحياء، يُصْلَبُون أمام الناس حتى يحصل لهم بذلك الألم القلبي والعار، فهذا لا شك أنه عار وخزي -والعياذ بالله- يذوقون أَلَمَهُ وهم أحياء، ومنهم مَن يقول: إنهم يُصْلَبُون بعد أن يُقْتَلُوا قبل التغسيل والتكفين والصلاة، وهذا لا يحصل به ألَمٌ قلبي على هؤلاء المصلوبين؛ لأنهم أموات، وما لجرح بميت إيلامٌ.
لكن قد يكون أشد رعبًا للأحياء مِن صَلْبِهم في حال الحياة؛ لأن رؤية الحي إلى الميت مصلوبًا توجب له الرعب والنفرة أكثر من رؤيته مصلوبًا وهو حي.